شعار قسم مدونات

الصم من كوكب آخر

Cafe owner Dissa Syakina Ahdanisa (R) communicates with worker Santi using sign language at "Fingertalk" cafe in Tangerang, Indonesia's Banten province December 13, 2015. "Fingertalk" is the first and only cafe hiring hearing-impaired people in the Southeast Asia nation, said the owner of the cafe, that was established to empower the disabled people by employing them as waiters and chefs while giving locals a new dining sensation. Picture taken December 13, 2015. REUTERS/ Garry Lotulung EDITORIAL USE ONLY. NO RESALES. NO ARCHIVE.
من هم الصم؟
يتساءل الكثير عن الصم.. كيف يتفاهمون؟ عن ماذا يتحدثون؟ هل هم مثلنا؟ بماذا يفكرون؟ هل في عقولهم عله؟ كيف يلتقون ويتفقون على موعد في مكان ما؟ انهم يضحكون على ماذا يضحكون؟ !

هل يفهمون ويستوعبون من خلال لغة الإشارة؟! تساؤلات كثيرة وحائرة يطرحها الإنسان المراقب .
لنتعرف سوياً على الخصوصية اللغوية لأبنائنا الصم وبعض من معاناتهم، ولنكن نحن صوتهم .


الصم واللغة
 

لغة الإشارة هي اللغة الطبيعية للصم، تعبر عن كلمات ومفاهيم من خلال حركات اليدين، وتعتمد على الإيماءات كذلك تعبير الوجه وحركة الجسم، وتعتبر لغة الإشارة هي اللغة الأم بالنسبة للصم، وهي لغة تامة (كاملة) تطورت على يد مجتمعات الصم وأفرادهم مجسدة قيم وتجارب مستعمليها.

وتعتبر لغة الإشارة هي أساس الثقافة المرئية لهذه المجتمعات وهي لغة غنية معبرة ومعقدة كاللغة الكلامية. كما أن مبادئ بنيتها النحوية تتشابه في إطارها العام مع كل اللغات الإنسانية، ولكنها تمتلك خصوصية مستقلة في نظامها من حيث قواعدها النحوية واستقلاليتها عن اللغة المنطوقة وخلال العقود الثلاثة الماضية أثبتت الـبـحوث المتعلقة في اللغات الإشارية بأنها تمتلك نفس المواصفات اللغوية للغات المنطوقة، وتطورت طبيعيا مثلهــا مثل اللغات المحكية.

وقياساً على ما تقدم نستطيع اعتبار الرموز الإشارية التي تشكلها الأيدي بمثابة ألفاظ يتم استقبالها عن طريق المشاهدة (مرئية) فإن شكلها وموقعها يشكّل تواصلا لفظيا على اعتبار أن أعين مستخدمي لغة الإشارة هي التي تسمع، كذلك يمكننا اعتبار أن هناك تواصلاً غير لفظي في لغة الإشارة يكون واضحاً وعنصراً رئيسياً في اكتمال عملية التواصل يتمثل بحركة الرمز الإشاري أثناء التحدث بلغة الإشارة، والسرعة والبطء والشدة والمكان، والموقع والتناسق والتناغم الحركي، مع التعبير والإيماء وهو بمثابة الأصوات غير اللفظية لتشكل رموز ذات دلالة ومعنى، كما يعتبر الرمز الإشاري لفظ (لفظ مرئي) يتم استقباله بصرياً، وُيفهم من خلال تحليله وفهم دلالته ومعناه الكامن فيه.
 

لذلك اهتم الصم في المنطقة العربية بألفاظهم (رموزهم) على اعتبارها وعاء يحتوي معاني ودلالات تُفهم ، لهذا نجد أن بعض الرموز الإشارية (الألفاظ المرئية) قد لا ترقى لجمالية أو شكل منسق، فهذه ليست الغاية بقدر أهميتها لتكون أداة للتعبير عن المعنى والمضمون وتحقيق الهدف النفعي لهم.

الأصم قادر على العطاء والعمل والتفكير.. إذ هيأنا له الإمكانات ومنحناه الفرصة، علماً بأنهم وصلوا إلى أعلى المراتب وحصلوا على شهادات عليا.

نشأة اللغة
لقد احتلت الكيفية التي تمت بها نشأة اللغات الإشارية وتطورها مكانة كبيرة في تاريخ الأفكار وارتبطت ارتباطا وثيقا بنشوء اللغات المحكية. وبحث الغرب كثيرا في هذه المسألة وذهب البعض منهم للقول إن منشأ لغات الإشارة الإنسانية تزامن مع منشأ اللغات المحكية.

أيهما أسبق لغة الإشارة أم لغة الكلام؟
أما بالنسبة لاحتمالية أن تكون لغة الإشارة قد سبقت الكلام فقد جاء الحسم واضحاً وصريحاً بناءاً على ما ورد في القرآن الكريم، إذ فصل في هذه المسألة بقوله تعالى:-
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). سوره البقرة (31،33،32)
 

إذن فالكلام سبق الإشارة في السماء قبل الأرض، ومن العقل والمنطق أن تستمر هذه الطريقة في التواصل بين سيدنا ادم وحواء وأبنائه الأربعة وقت نزولهم للأرض وتوارثتها الأجيال فيما بعد.
 

الصم من كوكب آخر
معظمنا يدرك أن لا اختلاف بين الإنسان السامع والأصم إلا أن الأخير لا يسمع وعلى الأغلب لا يتكلم، حيث أثبتت كثير من الدراسات بأن مستوى الذكاء عند الأصم هو نفسه عند الآخرين، فهو إنسان قادر على العطاء، قادر على العمل والتفكير.. إذ هيأنا له الإمكانات ومنحناه الفرصة، علماً بأن الصم في الدول المتقدمة وفي بعض الدول العربية وصلوا إلى أعلى المراتب وحصلوا على شهادات عليا في مختلف العلوم الحياتية، وذلك لتوفر الوسائل والتوجيه والتدريب المستمر. ونحن في المنطقة العربية عموماً ينقصنا الكثير الكثير، ولا ننكر بأن بعض الدول العربية قد خطت خطوات واسعة في هذا المجال واستطاع الصم أن يحققوا منجزات كثيرة .

هل حاجاتهم تختلف عن احتياجاتنا: لا يختلف أحد على تحديد الاحتياجات الإنسانية لكل البشر وعلى اعتبار الصم هم بشر فإن احتياجاتهم مثلنا وهي :
• الحاجات الاجتماعية: الصداقة ـ الحب ـ التعاطف ـ القبول 
• الحاجات الفسيولوجية: الغذاء ـ الهواء ـ الراحة ـ الجنس ـ القبول 
حاجات إشباع الذات: اعتراف الغير بالفرد ـ التحكم ـ الاستقلال ـ الإنجاز


نظرة خاطئة وسوء فهم

هناك سوء فهم ومفاهيم خاطئة مأخوذة على الصم وتسمعها عند الكثيرين ممن يتعاملون مع الصم سواء الأهل أو المربين أو أفراد المجتمع:
–  يعتبر شخصاً ذو قدرة عقلية منخفضة، كسول عقلياً غير منتبه .
– غير مبال عنيد ومهمل وغير مؤدب.
– شكاك، سوداوي، غير صادق.

عدم النضوج الفكري عند الصم لقلة وشح المعلومات التي تلقاها من البرامج والمناهج العقيمة وقلة حيلة المحيطين بهم وعجزهم.

هل من سبب لهذه الملاحظات؟
نعم هناك سبب واحد لا أكثر هو انعدام التواصل وعدم فهم الآخر.. بالتالي يتعرض الأصم للإهمال ويصبح منطوياً، وبما أنه لا ينتبه لكثير من المثيرات الصوتية يطلق عليه جزافاً بأنه عنيد وغير مبالي ومهمل.

وكل هذه الصفات الخاطئة والتي تنسب للصم سببها يعود لأنهم يخفقون في سماع جميع الحقائق لذا ستكون استنتاجاتهم غير صحيحة، وبالتالي سلوكهم قد يبدو غريباً بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون السمع ويقيمون حكمهم على جميع الحقائق والاستفسار عنها إن دعت الحاجة من اكثر من مصدر .

هوة واضحة
ومما سبق يتبين لنا أن هناك هوة واضحة بين الصم والمحيطين بهم تتمثل في سوء الفهم كل للطرف الآخر، إذ يتضح وجود احتياجات كثيرة لم يستطع الأصم البوح بها، فهناك تضارب ما بين الحاجات الجسمية والاجتماعية والنفسية في جسده وعدم النضوج الفكري عند الصم من جهة أخرى، ومرد عدم النضوج الفكري هنا لقلة وشح المعلومات التي تلقاها من البرامج والمناهج العقيمة وقلة حيلة المحيطين بهم وعجزهم.

العلم الحديث لم يستطع إعادة السمع للصم ولم يستطع جعلهم يتحدثون لغتنا بطلاقة تامة لهذا حري بنا نحن أن نتعلم لغتهم ونتواصل معهم، وليكن شعارنا محو أمية لغة الإشارة ونتواصل معهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.