شعار قسم مدونات

الخليل وادي القلط واليوم سبسطية..

Israeli soldiers keep guard in the old city of the West Bank city of Hebron September 21, 2016. REUTERS/Ammar Awad

"حسناً، هذا يكفي، لنعد إلى بيوتنا!" هكذا خاطبني عقلي ونحن لم نكن قد انتهينا من محطتنا الأولى ضمن جولة "باص السوشال ميديا" الثانية، كنا لا نزال في بلدة سبسطية الأثرية شمال غرب نابلس، وبرنامجنا ممتد لمعالم أخرى في محافظة طولكرم.

في تلك اللحظة، كنا قد انتهينا من زيارة مسجد ومقام النبي يحيى عليه السلام، إضافة لقصر الكايد، وكنيسة أثرية، وكلها تقع ضمن الجانب السكني في البلدة. عدنا إلى المسجد وأدينا صلاة الجمعة هناك، وبعدها كان علينا أن نتوجه للمنطقة الأثرية حيث تركنا حافلتنا.

أحسست حينها أنني قد حصلت على حصتي من "وجع القلب"، تلك التي يجب أن أحصل عليها كلما تعرفت على مكان جديد في وطني. وقد يكون من المنطقي والمتوقع أن أتألم على حال القدس مثلا، وحتى حيفا أو بقايا يافا. لكنني أصبحت أدرك أكثر فأكثر، أن القليل الذي يقدم لنا ضمن حدود عام 1967 يتسرب من بين أيدينا كم تهرب حبات الدقيق من غربال قروية أصبحت تعجن الخبز!

سألت محدثنا: هل أصبحنا نخشى من فقدان سبسطية؟ فرد بأن قوات الاحتلال تواصلت معهم لتخبرهم بأن يتوقعوا إغلاق المنطقة الأثرية بوجه الفلسطينيين.

سبسطية المسكونة منطقة B وسبسطية الأثرية منطقة C ، هكذا أخبرنا مرشدنا من أهل سبسطية.. حاول عقلي أن يعبث معي أكثر .."سبسطية التحتا B" و"سبسطية الفوقا C"، قد تكون هذه التسمية أسهل على الناس، و"سبسطية الفوقا" ذكرتني بـ "إم الطنافس الفوقا" مسرح أحداث المسلسل السوري الشهير "ضيعة ضايعة"، واستمر عقلي بالعبث أكثر ليجعلني أتساءل، هل سيأتي يوم نحكي عن "سبسطية الفوقا" أنها "ضيعة ضايعة"؟

أعود بكم قليلاً..
في مدخل مسجد النبي يحيى، يوجد غرفة لها قبة، تجاورها شجرة حمضيات.. الغرفة تدعى "قبة أيوب"، بناها ابن أخت صلاح الدين الأيوبي فوق ما يعتقد أنه المكان الذي سجن فيه نبي الله يحيى عليه السلام، بداخل الغرفة يوجد تمثالان، يخبرنا مرشدنا أن التماثيل كانت سبعة، أمرت بإيجادها القديسة هيلانة لتمثيل وقائع قتل سيدنا يحيى، إلا أن خمسة من التماثيل السبعة سرقها الاحتلال!
 

على مدخل المسجد وقف ممثل المجلس المحلي ليحدثنا عن سبسطية، عرفنا منه أن قوات الاحتلال أصبحت تغلق المنطقة الأثرية في سبسطية في فترة الأعياد اليهودية، وفي عيد الفصح الأخير قام المستوطنون برحلات تخييم في منطقة سبسطية وجوارها، وحينها منع الفلسطينيون من الوصول لتلك المنطقة، وبالمناسبة، مؤخراً تم هدم "بسطة" لبيع التحف الأثرية لأحد السكان هناك.

في الخليل مررنا بأزقتها فألقى علينا المستوطنون الحجارة من أعلى الأسواق القديمة، وفي وادي القلط كان المستوطنون فيه بإرشاد من السلطة الإسرائيلية.

سألت محدثنا بعد أن انتهى زملائي الإعلاميين من مقابلاتهم معه: هل أصبحنا نخشى من فقدان سبسطية؟ فرد عليّ بأن قوات الاحتلال تواصلت معهم خلال عامنا الحالي تخبرهم بأن يتوقعوا أن تقوم قوات الاحتلال بإغلاق المنطقة الأثرية بوجه الفلسطينيين.

هل تحتملون المزيد؟
بدأنا مسارنا في المنطقة الأثرية، وفي فترة الشرح على طول المسار، ذكر الدليل في شرحه اسم جامعتين نفذتا أبحاث أثرية في المنطقة، الأولى أمريكية والأخرى في الضفة الغربية.

أما الأمريكية فهي هارفارد، وتم تنفيذ الأبحاث عام 1908 بتمويل يهودي، وأما الجامعة من الضفة الغربية فهي ببساطة: جامعة أرئيل، الواقعة في المستوطنة الكبرى في الضفة الغربية، وتحمل ذات الاسم.

في الخليل مررنا بأزقتها فإذا المستوطنون يلقون علينا الحجارة من الطوابق العلوية لأسواقها القديمة، وفي وادي القلط كان المستوطنون يصولون ويجولون بإرشاد من سلطة الطبيعة الإسرائيلية وحماية من جنود الاحتلال، واليوم في سبسطية شاهدنا سارية علم متواضعة على أعلى تلة في المنطقة الأثرية، تعد مسرح صراع بين شبان القرية وجيش الاحتلال، هم يرفعون علم فلسطين عليها وأولئك يداهمون القرية لإنزاله!

تقسيم مناطق الضفة الغربية إلى A، B،C  هو نتاج اتفاقية أوسلو، بحيث تمتلك السلطة الفلسطينية السيطرة الكاملة على مناطق A، والسلطة الإدارية على منطقة B، فيما تكون السيطرة الأمنية فيها لدولة الاحتلال، التي تمتلك أيضا السيطرة الإدارية والأمنية بشكل كامل على مناطق  C.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.