شعار قسم مدونات

البغدادي إذ يفضح نفسه

blog-داعش

من فمك أدينك، والبغدادي أدان نفسه في آخر تصريحاته في تزامن غير مسبوق أبداً يجتمع فيه من يظن عامة الناس أنهما ضدان مختلفان لا يمكن أن يجتمعا على هدف إستراتيجي واحد؛ الضدان هما البغدادي مقابل العبادي والمالكي.

في نفس اليوم وفي تصريحين مختلفين ليس بينهما إلا ساعات قليلة فقط يهدد الأثنان بمحاربة تركيا! قد يستغرب كثير من الناس هذا التزامن العجيب؛ ولكن كل أحد لديه خلفية في علم الاستخبارات السياسي والتحليل السياسي لا يتفاجئ كثيراً من التصرحيين المتطابقيين من شخصين  يصرحان بالعداء لبعضهما(في العلن فقط) ؛ ولكن في حقيقة الأمر يتحدثان بنفس الكلمات كأن كاتبهما واحد و الأدهى من ذلك أنهما تكلما في نفس اليوم وبينهما ساعات فقط.

في أعماق التصريحات
لا فرق كبير جداً بين العبادي و المالكي غير أن الثاني صريح أكثر ومتطرف أكثر، فكل محلل واقعي يعلم علم اليقين أن خطابات كليهما تُكتب في طهران وتُلقى في بغداد وتُنفذ في الموصل.

العبادي صرح العبادي ظهيرة الثلاثاء  وقال "أحذر تركيا من مغبة "اجتياح" العراق، وأعتبر أن ذلك سيؤدي إلى "تفكيك تركيا"  وتابع "لا نريد حربا مع تركيا ولا نريد مواجهة معها، لكن إذا حصلت المواجهة فنحن مستعدون لها".

في نفس اليوم وبعد تصريح العبادي بساعات قليلة يوجّه أبوبكر البغدادي كتائب "الانغماسيين، الاستشهاديين"، للبدء بهجمة مضادة هل على من تريد الهجمة يابغدادي؟ على إيران في داخلها؟ أم على وزارة الدفاع الروسية التي لا تقصفك البتة؟ أم هي على شذاذ الآفاق من المليشيات الشعية التي أتت لقتل السنة؟

لا فرق كبير بين العبادي والمالكي غير أن الثاني صريح أو متطرف أكثر، وخطابات كليهما تُكتب في طهران وتُلقى في بغداد وتُنفذ في الموصل.

لا لم يرده الهجمة على كل هؤلاء بل أرادها البغدادي ضد السعودية وتركيا والإخوان فقط  دون غيرهم!. حيث دعا أنصاره في السعودية إلى استهداف رجال الشرطة، والأمراء والوزراء، والإعلاميين والكتاب.

وفي نفس الخطاب؛ انتقل البغدادي إلى تهديد تركيا، داعيا جنوده لتنفيذ عمليات ضدها، قائلا إنها دخلت دائرة "جهادهم" مضيفا: "استعينوا بالله واغزوها وحولوا أمنها فزعاً، ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة". بعد ذلك هاجم  جماعة الإخوان المسلمين، قائلا إنها غدت "رأس حربة مسمومة يحملها الصليبيون لقتال الخلافة".

أربط هذين التصريحين بما قاله المالكي قبل أيام عندما قال: "قادمون يا نينوى تعني قادمون يا رقة، قادمون يا حلب، قادمون يا يمن." وباليمن هنا يقصد أنه لن يحمل جنود مليشياته الطائفية في طائرات لكي ينزلهم في مطار صنعاء ليحاربوا المقاومة اليمنية؛ بل لا بد له من طريق نحو اليمن جنوباً؛ والطريق هو مباشرة نحو السعودية التي يعتبرها النظام الإيراني أعدى أعداءه.

حقيقة داعش
هل ذكر البغدادي كلمة "إيران" في خطابه الأخير؟ بالطبع لا؛ بل وبحكم التخصص ولأهداف بحثية استمعت إلى كل خطاباته وكل إصدارات داعش المرئية وأستطيع أن أؤكد لك عزيزي القارئ بكل يقين تام أن البغدادي و أتباعه في إصداراتهم لم يتجرؤا أبداً على ذكر أسم إيران البتة. ولم يهدد أبداً "بغزو" إيران بل ولم يطلب من "أهل السنة" هناك بمواجهة الحكومة الصفوية.

أتعرف لماذا؟ لأنه ببساطة لا يستطيع فعل ذلك؛ وكأنه يسجل خطاباته في أستديو في طهران!.أبو محمد العدناني  قال في تسجيل صوتي له قبل أن يهلك "أنه قد أتت أوامر صريحة من أسامة بن لادن عندما كانت دولة العراق الأسلامية جزءاً من القاعدة بعدم  استهداف إيران".

وقال نفس الكلام حرفياً تقريباً أبو حفص الموريتاني وهو مفتي تنظيم القاعدة سابقاً. وكان أبوحفص نفسه يعيش في إيران مع سعد أسامة بن لادن وهو ابن أسامة ومعهما جماعة من القاعدة وأقارب بن لادن.

هل كان يعلم قادة القاعدة و داعش الآن أن متطرفي الشيعة "يلعنون أبابكر وعمر وباقي الصحابة ويكفرونهم؟" ألم يكن يعلم قادة الصف الأول من القاعدة سابقاً و داعش حالياً أن بعض متطرفي الشيعة يتهمون أمنا عائشة ؟ ألم يكونوا يعرفوا أن هذا كفر صريح؟ الجواب: بلى وبكل تأكيد.

إذن فلنسألهم جميعاً هذا السؤال للتاريخ: أليس الاتفاق الكامل مع الحكومة الإيرانية المتطرفة-التي تفعل كل ماذكرت- يعتبر من المظاهرة والمعاونة للكفار الصفويين ضد من قتلتهم القاعدة و داعش من المسلمين السنة في السعودية من رجال الأمن وغيرهم؟

بل كيف تم تسليم تدمر لداعش من قبل نظام الأسد؟ وكيف أعادها التنظيم إليه مجدداً؟ ستمع إلى ماقاله النائب العام السابق لمدينة تدمر القاضي محمد قاسم ناصر قبل أشهر "كنت أتردد لزيارة العميد مالك حبيب رئيس فرع المخابرات العسكرية في تدمر، وقبل أسبوعين من مهاجمة تنظيم داعش للمدينة وكانت الإشاعات تملأ تدمر بأن تنظيم الدولة قادم، أخبرني العميد حبيب في زيارة لي أن بشار الأسد استدعاه شخصياً – أي مالك حبيب-وطلب منه إعداد خطة انسحاب آمنة ومحكمة من مدينة تدمر عند هجوم التنظيم، وأكد لي العميد حبيب إن قوات النظام سوف تستعيد السيطرة على مدينة تدمر بعد عدة أشهر." وهو ماحدث بالفعل.

وكيف لتنظيم يدعي رفع راية الخلافة وكل قيادات صفه الأول من حزب البعث؛ واتفق العلماء المعتبرون على كفر معتقدات هذا الحزب الذي يقول قائلهم: آمنت بالبعث رباً لا شريك له.. وبالعروبة ديناً ماله ثاني والقيادات البعثية من الصف الأول من داعش على سبيل المثال لا الحصر هم: حجي بكر، أبومسلم التركماني، الأنباري، أبوعبدالرحمن البيلاوي،أبو أحمد العلواني، أبو مهند السويداوي، محمد الندا الجبوري وغيرهم.

هل ذكر البغدادي إيران في خطابه الأخير؟ بالطبع لا لأنه ببساطة لا يستطيع فعل ذلك وكأنه يسجل خطاباته في أستديو بطهران

في مقابلة مع قناة BBC البريطانية صرح العقيد ألكسندر ليتفننكو – وهو عقيد في المخابرات الروسية لجأ لبريطانيا بسبب الفساد في المخابرات الروسية- وقال " أؤكد على عمل الظواهري كجاسوس روسي" وأضاف إن "الظواهري تم سجنه في روسيا لمدة ستة أشهر لأنه دخل الدولة بصورة غير قانونية".

وفي أكثر من مصدر تم سؤاله كيف وصلت لهذه المعلومات الخطيرة؟ فقال: "لقد أطلعت عليها من خلال زميل لي أرآني بعض الوثائق ولقد كان ممن ساهم في تدريبه".

وقد يقول قائل لماذا لم تحتفل الصحافة الغربية بمثل هذا الكلام وتنشره وتعيده وتكرره؟ خاصةً وأن روسيا عدوة لأمريكا؟  فالرد على هذا بأن كل من يعلم حقيقة العلاقات الدولية يعرف أنه لا ثابت فيها ولا مبدأ إلا المصالح! وكان من مصلحة أمريكا أن ينتشر هذا الفكر ليكون حجة لها لإعادة الانتشار في المنطقة.

ولو كان العمل بيد غيرها فذلك أسعدها حيث أنها وجدت طريقاً مفتوحاً ومبرراً للسباحة في بحر الكنوز الاقتصادية في الشرق الأوسط بحجة مكافحة الارهاب!. و روسيا استفادت من ذلك بأن أشغلت أمريكا بهؤلاء وأرادت أن تنتقم منها بهم بعد خسارة روسيا المريرة في أفغانستان.

وأنا أصدق ليتفننكو لأنه مسلم وصادق وضحى بحياته لظهور الحقيقة للعالم. حتى اغتاله بوتين في لندن عام 2006 باليورانيوم المشع وهو سلاح نووي فتاك.

رسالة أخيرة للسعودية وتركيا والإخوان: عدوكم يراكم شخصا واحدا ويحاربكم أنتم فقط، وسواءً أحببتم بعضكم أم لا فعليكم أن تتحالفوا لتنجوا معاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.