شعار قسم مدونات

جرائم الشرف والعنف

blogs-العنف

ادخل إلى تعليقات على الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا تلك التي تحمل خبر قتل من قبيل: قتل أخ لأخته، قتل رجل لآخر من أجل موضوع معين أو حتى المشاجرات، وسوف تتفاجأ بالكم الذي يؤيد القتل بل ويبارك الجريمة ويشد على يد القاتل.
 

في البداية، تلاحظ بأن هذا النوع من التعليقات تحديدا تحت خبر جرائم الشرف، وفي الفترة الأخيرة جرائم الرأي الذين لا يضرون ولا ينفعون بكلامهم، وتكون التعليقات عبارة عن مباركة بالقتل وتمجيد للقاتل، وأنا نفسي ذهلت من حجم هذا التأكيد لأحقية الجريمة والفرح لمن فعل الجريمة، لربما تكون المشكلة تأييد أناس من الوسط الطبيعي للقتل والمشاهد البشعة ولكن المشكلة الأكبر هي اعتبار الناس هذه الطريقة هي الحل الأمثل لجميع القضايا حتى قضايا النقاش واختلاف الرأي.
 

أيضا سوف تجذبك تعليقات عنصرية وعرقية وطائفية تختصر الوضع العربي المنقسم لمجرد كون المعتدي في الفيديو من طائفة أو جنسية بلد عربية معينة، وسوف ترى كمية التعليقات التي تبرر الجريمة أو التي تدافع ولا أحد في الواقع يعلم أي شيء عن الحادثة، ومنطلق الدفاع عن الجهتين هو من منطلق الطائفة، وتجد القليل من يجرم أخذ الحق بيد أو الفعل الانتقامي بلا اللجوء للقانون.
 

السجن لن يؤدب أحد بل سيجعل المجرم يُكبر فكرة العنف، بل علينا التعامل مع المجرم كضحية يجب مساعدتها لجعلها تفهم ما الصواب وما الخطأ

هذا يدعوا للسؤال: ما هو السبب الذي جعل أناس من النوعين "الفاعل والمؤيد للفعل" بالتكون، بل بالظهور كأكثرية ويكون لهم حاضنة في المجتمع؟ أليس هؤلاء سوف ينجبون جيل جديد يؤمن بالعنف كحل لمشاكله؟ أليس العنف يولد عنف؟ يجب أن ندرس ما السبب الذي أدى لوصول الحال لهذه الدرجة هل هي التربية أم التعليم، بالنسبة لي أؤمن بأن عنف من هذا النوع هو ناتج لصفة مكتسبة من المجتمع نمت مع الزمن ووجدت لها سبب.
 

الإنسان العربي ليس الملام الأول بل واقع الحال الذي جعله يؤمن بالضرب كأسلوب تربية وبالعنف لأخذ حقوقه المدنية والاجتماعية وبروز شخصه، ومن الممكن أن لا يكون المجرم يريد الفعل بذاته بل يريد التفريغ عن العنف الذي أصيب به في أحد فترات تربيته بل الحكومة نفسها متهمة، فلو كانت الحكومة تبذل أي نوع من العنف اتجاه المواطنين سوف يولد رغبة غاضبة لدى الفرد برد العنف على المتسبب أو على شخص بريء وحتى إن لم تكن تفعل أي عنف، عدم فعل أي حراك ضد هذا العنف القائم على الثأر والعنصرية أيضا جريمة.

لنتعلم من تجربة تعليم غيرنا في أحد البلدان الغربية، تم سن قانون يقول بمعاقبة كل من الأب أو الأم إذا استخدموا العنف ضد طفلهم، بعد سنين من سن هذا القانون وجدوا بأن الجريمة في المجتمع قلت إلى النصف. من الصعب تقبل الأسرة العربية مثل هذا القانون المنطقي الذي قطع العنف من جذوره لكيلا تنموا البذرة وتفسد في المجتمع، ولكن نحتاج تجارب مثل هذه التي لا شك في نتائجها المجربة.
 

المشكلة التي تدور هنا هو كون من يريد حل مشاكله بالقانون أو بالتفاهم كرجل راشد، لن يجد له مكان خصوص لو كانت الجهة التنفيذية من قبيل الشرطة والقضاء فاسد ولن تجلب له أي حق، وهذا سبب آخر يجعل الرجل هنا يتقبل فكرة العنف كأسلوب لإرجاع حقه ويصبح الحال دائرة مغلقة يدخل فيها المواطن المسالم ومن ثم يتعرض لعنف الذي بالتالي سوف ينقله لمواطن آخر مسالم ويصنع جيل العنف المتبادل.
 

دعنا أيضا لا ننسى بأن بوادر العنف هذه التي كانت مشاجرات في المدرسة لطيفة أصبحت مسلحة وأصبحت تقتل فهي بدأت كالمزحة وغدت واقع بشع، فالجرائم البشعة التي مثلا طعن أخ لأخته 20 طعنة من المؤكد بدأت بسبب تافه جعلت المجرم يريد الانتقام من أي شخص قد يضر بشخصه فهو فعله دفاع عن سمعته وليس عن أخته.

واستخدام شباب المستقبل المتعلم للمسدسات والأسلحة النارية في الانتخابات الجامعية لا يبشر بالخير، ولا نبالغ بأن بذور العنف هذه من الممكن أن تتحول إلى إرهاب حقيقي يحول المجتمع لموقع للجرائم والقتل وتصنع لدى الشباب القابلية للانضمام لجماعات متطرفة تمثل الدين كمن قتل أخته معتقد بأن هذا عقاب إلاهي العادل أو من قتل رجل كفر بالله لإيمانه بأن هذا العقاب العادل.
 

أول بادرة لحل المشكلة هي مواجهة العنف بالحل العقلي، السجن لن يؤدب أحد بل سيجعل المجرم يُكبر فكرة العنف، بل علينا التعامل مع المجرم كضحية يجب مساعدتها لجعلها تفهم ما الصواب وما الخطأ لا يمكنك لوم من تربى بين وسط يحرض على العنف ويكون الوسيلة الوحيدة للفرد.
 

الجانب الذكوري مثل الوباء، يستغل المشاعر الهوجاء غير العقلانية وكلمات تجعل الدم يجري مثل الخيل في عرق العربي الذي ينسى دينه وتشريعاته ويفعل ما تملي عليه القبيلة

لا أتصور أي مبرر قد يعطي الحق لأي شخص بإنهاء حياة أي شخص مهما كانت جريمته إلا داخل قانون ومحكمة تثبت جرم الشخص، فإذا كان وجهة المبرر بأن عمله قائم على مستوى ديني كقضايا الشرف، فهل جريمة الشرف توجب قتل الفتاة وفقا للدين؟ ليس هناك اختلاف بين رجال الدين بأن غير المحصنة لا يوجب القتل بحقها بل هناك شروط كبيرة ومهمة في قضايا مثل هذه حتى للمحصنة وإن كان على سبيل المثال توجب القتل يكون القانون من يفعل ذلك وليس الأفراد.
 

في بعض البلدان العربية هناك أسوء من تلك الجريمة، هناك بلدان عربية لديها تبرير وتبرئة للقاتل موجود في الدستور في تلك البلاد هناك قانون تحت مسمى الغضب وجريمة الشرف التي في الآونة الأخيرة تم تبرأت متهم بقضية قتل لجوزته لمجرد الاعتقاد غير المثبت بخيانتها وخرج بكفالة من المحكمة، وهذا أحد أسباب العنف فهنا المجرم أصبح أكثر إيمانا بفعلته وهناك غطاء قانوني يجعل ذا النية السيئة يستغله ولن يكون من المستغرب من الطرف الآخر برد العنف.
 

لا ننسى الجانب الذكوري الذي يتخلل في المجتمع العربي مثل الوباء، ويستغل المشاعر الهوجاء غير العقلانية وكلمات تجعل الدم يجري مثل الخيل في عرق العربي الذي ينسى دينه وتشريعاته ويفعل ما تملي عليه القبيلة ضاربً كل القوانين التي في الدولة فاعلا ما اكتسبه من المجتمع.

وسبب تأكيدي على أن جرائم العنف مكتسبة من سلوك المجتمع وليس حالة متفردة لأن مثل هذه الأفعال تعتمد للاستمرارية وجود دافع متجدد وتربية صرفه يكتسبها الفرد وتحول الإنسان المسالم إلى إنسان عنيف، ولا ننسى بأن هذا الشكل موجود ضمن أفراد يبدون طبيعيين بل لديهم شهادات جامعية أو مراكز اجتماعية عالية ويعتبرون كل أسلوب عنف أو جريمة عنف أمر طبيعي لا شك فيه، هنا الكارثة اعتبار كارثة تدمر المجتمع وتشعل الجرائم أمر طبيعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.