شعار قسم مدونات

بلال وسلمى.. وما يحاول داعش صنعه في الموصل

blogs - داعش الموصل

نتعلم القليل من الرياضيات والعلوم واللغة، ولدينا مدربين يعلموننا كيف نقاتل الكفار ونجاهد المشركين والمنافقين والمرتدين" بهذه الجملة فاجأ "بلال" ذو التسعة سنوات والده "علي الحمداني" عندما سأله عن تعليمه اليومي في مدرسة الغفران الواقعة في حي المهندسين ضمن الجانب الأيمن من مدينة الموصل.
 

يحدثني الحمداني، كيف أن ما يعرف بـ "ديوان التعليم" التابع لداعش ألغى مادة الوطنية العراقية التي تخالف أيدولوجيته حول "الخلافة الإسلامية" كما ألغى حصص الدين المسيحي ضمن الحصص خاصة بالأقليات، والموسيقى فضلاً عن الاجتماعيات والفلسفة وبعض الفقرات الرياضية.
 

ويضيف الحمداني والألم يعتصر قلبه على مستقبل ولده "إن التنظيم بدأ بغسيل أدمغة الطلبة الصغارعن طريق محاضرات التدريب البدني ضمن منهج طبعه وأطلق عليه "التربية الجهادية" معززاً بفيديوهات تظهر كيف يقاتل أفراد التنظيم في جبهات المواجهة في العراق وسوريا.
 

التنظيم قام بإعدام عدد من المدرسين والمدرسات ممن امتنعوا عن تدريس مناهج داعش لأسباب فكرية في منطقة باب الطوب وسط الموصل وهي ساحة تكثر فيها الإعدامات الميدانية

وأضاف أن "كوادر التنظيم تقوم بأخذ الطلبة إلى ساحات ترابية مخصصة للتدريب والإعداد البدني" مؤكداً أن ولده "أخذ بعض الفقرات التدريبة تمثلت برفع أقدامه عن الأرض وجعله يسير على يديه العاريتين، وكيف يقفز على الأرض من مكان مرتفع نسبياً وكيف يركض حاملاً أوزاناً على ظهره".
 

وأكد الحمداني أنه وفور علمه بما قام به داعش في المدارس من غسيل أدمغة الأطفال قام بمنع ابنه بلال من الذهاب إلى المدرسة واصطحابه معه إلى العمل في كشكه الصغير والكائن بمنطقة "وسط الموصل نتحفظ عن ذكرها لسلامة المتحدث" خوفاً عليه من أفكار التنظيم التي وصفها بالمتطرفة.
 

مدرسون من دول أخرى لتدريس المناهج
اتصلت برئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس محافظة نينوى سيدو حسين خدر فقال لي أن "تنظيم داعش قام بطبع مناهج وفق أيدولوجيته التي يريدها". وأضاف "مواد تعليمية تحرض على العنف والقتل قام موظفو التنظيم بفرضها على المدرسين لغرض تعليمها للأطفال، كما قام التنظيم بجلب عناصر من عدة دول لغرض تدريس مناهجه بالإضافة لعدد ممن تواطأ معهم من الموصل".
 

أوهام البطولات!
يروي زميلي الصحفي رأفت الموصلي أنه عندما كان محاصراً داخل الموصل، التقى بطفلة تدعى سلمى تدرس في مرحلة الرابع الإبتدائي وسألها عن الدروس التي تتعلمها في المدرسة، وأول ما تردد في ذهنها قصة ما وصفته بالمجاهد "أبو عبدالرحمن البيلاوي" وأخذت تروي تفاصيل حياته التي كتبها التنظيم في المنهاج عن ظهر قلب، وهو ما يعني أن هذه الأفكار والقصص قد رسخت في أذهان الأطفال.

وبحسب المعلومات الأمنية فإن عدنان إسماعيل نجم البيلاوي الدليمي، المعروف بالاسم الحركي أبو عبد الرحمن البيلاوي، كان القائد الأعلى في "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ورئيس المجلس العسكري، والعقل المدبر لسقوط الموصل وذلك قبل مقتله من قبل القوات العراقية في 4 يونيو 2014.
 

الإعدام وسط باب الطوب
مواطنون موصليون تواصلت معهم عبر رسائل صوتية تبادلنها على تطبيق الواتس اب، "إن جميع المدارس في الموصل مفتوحة رغم نسب التلاميذ المتدنية جداً"، وبحسب أبو مروان وهو مدرس إعدادية فإن "عدد من يواصل تعليمه في إعداديته طالبين فقط وإن نسبة الدوام بعموم مدارس الموصل ولمختلف المراحل الدراسية تترواح من 3 – 5 بالمئة بعدما كانت النسبة تتراوح من 80 – 90 بالمئة بعد سقوط الموصل بستة أشهر".
 

ويضيف أبو مروان "إن داعش عمد على إجباره وزملائه على الدوام ومن دون دفع أي مرتب، وتوعدهم بالعقاب في حال الغياب والتخلف عن الأوامر، وأنه قام قام بالفعل بإعدام عدد من المدرسين والمدرسات ممن امتنعوا عن تدريس مناهج داعش لأسباب فكرية في منطقة باب الطوب وسط الموصل وهي ساحة تكثر فيها الإعدامات الميدانية، كما صادر التنظيم ممتلكاتهم ومنازلهم".
 

وما تزال غالبية العوائل الموصلية تمتنع عن إرسال أطفالها إلى المدارس بغية الحفاظ عليهم من أفكار التنظيم المتطرف

عزوف عن الدوام.. رغم المنابر والحث!
بالرغم من كل القرارات والنداءات والخطب التي ألقاها خطباء داعش من على منابرهم في مساجد مدينة الموصل لحث الأهالي على إرسال أطفالهم إلى المدارس إلا انهم فشلوا في ذلك، وما تزال غالبية العوائل الموصلية تمتنع عن إرسال أطفالها إلى المدارس بغية الحفاظ عليهم من أفكار التنظيم المتطرف.

وفي 17/10/2015 أعلن أحد خطباء التنظيم من على أحد المنابر في مدينة الموصل بأن داعش يعد بصرف رواتب المعلمين والمدرسين أسوة بعمال البلدية من أجل حثهم على مزاولة الدوام، لكنهم فشلوا تحقيق ذلك وتوفير أموال كافية للكادر التعليمي، وقاموا بعدها بتهديد المدرسين إما الدوام أو مصادرة منازلهم او اعتقالهم لمخالفة أوامر وتعليمات التنظيم.
 

أمنيات الحمداني ستتحقق بعد التحرير
بصوت خافت بعث أبو بلال الذي ما زال محاصراً داخل مدينة الموصل مع عائلته برسالة صوتية عبر تطبيق "الواتس اب" قال فيها "كل أمنياتي تنصب في زوال هذه الغمة وأن يرجع الهدوء والطمأنينة لمدينتي ويعود كل أهلها ويلتم الشمل وأن يكون هناك حرية حقيقة نعبر من خلالها عن آرائنا وأن يكمل ولدي بلال دراسته، ليرفع اسم الموصل عاليا، هذا باختصار كل ما أحلم به قبل أن أختم يومي بالنوم على أمل جديد ويوم جديد مليء بالمفاجآت هذه كل الأمنيات والاحلام ستتحقق يوما ما".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.