شعار قسم مدونات

قانون سكسونيا العربي

blogs-قانون

في إحدى اللقاءات الجامعية حيث كان عميد كلية الحقوق يتحدث ويفتح المجال للنقاش بين الطلبة، قال من لديه أي تحفظ على القانون فليتحدث عنه.

كالعادة أتحدث بلا تردد، رفعت يدي للحديث فابتسم رئيس القسم وقال بداخله "الله يستر" هذا ما قاله لي بعد اللقاء، قلت يا دكتور ما فائدة كل هذا الكم من القانون الذي ندرسه ولا نستطيع تطبيقه؟ يا دكتور، القانون وُضِعٓ ليطبق على الضعفاء والفقراء أما الأغنياء والظلمة فلهم قانونهم الذي فُصِلٓ على مقاساتهم، إجابة العميد كانت أفضل من تساؤلاتي، فقال لي نقطة الماء تشقق الصخور.

بدولة القانون العربي المفترض، اللص الكبير يُسجَنُ إعلامياً فقط، وأحياناً يخرج مجاهراً بأنه ليس ممن يلبسون البدلة الزرقاء.

حتى اليوم لم أعرف إن كان اعتراف بحقيقة ما طرحت أم أنها رسالة بأمل التغيير في المستقبل.

بالوطن العربي أنت متهم حتى تثبت براءتك عكس ما تعلمنا بأننا أبرياء حتى نُتهم. الحكومة والوزراء ورجال الأمن أصل عملهم خدمة المواطن والشرطة في خدمة الشعب، لطالما توقفنا عند هذا العنوان، اليوم تغير الحال وبتنا جميعاً خدماً للحكومة، هل هي ثقافة شعوبنا المتواضعة أم أن القانون يُفَصَل على مقاسات من يحكموننا.

بدولة القانون المفترض تظهر براءة المتهم بعد أن يتعايش فتره طويلة من الزمن مع المجرمين وقطاع الطرق ويصبح ممن هم أصحاب السوابق "إذا لم يكن لخصمه واسطة يُحاسب بسببها وان كان بريء"، بدولة القانون العربي المفترض يرتعش جسدك بمجرد مشاهدة رجال الأمن الذين من المفترض أنهم يسهرون على راحتك.

بدولة القانون العربي المفترض، اللص الكبير يُسجَنُ إعلامياً فقط، وأحياناً يخرج مجاهراً بأنه ليس ممن يلبسون البدلة الزرقاء فهو لم يخلق مثلنا بتسعة أشهر ولم يلبس ملابس الطفولة وهو صغيراً، هو يختلف عنا كثيراً فله الحق بأن يأكل من لحوم الفقراء ويشرب حليبهم ويرميهم بالعراء والسبب أن الدنيا مقامات والتراب الذي خلق منه يختلف عنا جميعاً.

المثاليات والأخلاقيات التي نتغنى بها جميعاً تنتهي عندما يتوقف أحدنا في مركز أمني وهو ليس مخطئ، فتراه يتجاوز القانون ويلجأ للوساطات والمحسوبيات فهي كفيله بإخراجه وليس القانون.

عندما زُج بأحد أصدقائي في السجن سألت أحد المحامين وكنت حينها أمتلك جميع الأوراق القانونية والأدلة التي تنفي عنه جميع التهم فكان رد المحامي لي كالصاعقة "صاحبك بده واسطه كبيرة ليخرج"، فقلت حتى لو كان بريء، فقال: رح يدفع الثمن قبل ما ينحكم عليه أنه بريء أو متهم.

بالتأكيد ليس هذا القانون الذي تعلمناه ودفعنا من عمرنا حتى اللحظة ثمان سنوات بين بكالوريوس وماجستير ودراسات في مجال حقوق الإنسان .

القانون شعار جميع الدول عندما يتناسب مع قراراتهم وأنظمتهم، ويصبح تدخلاً في شؤون الدولة عندما يطالب بأن يُحترَم لخدمة المجتمع.

منذ طفولتي أحلم بلحظةٍ أُنصف بها مظلوم أو مكلوم، احلم بعدالة حُرِمنا منها بسبب الاحتلال الإسرائيلي، العدالة والقانون يلتقيان عندما نؤمن بأن نكون عادلين وتساعدنا ظروف الحياة والمجتمع لتطبيقها وإن لم تساعدنا فلا نيأس.أعتب على القانون ولا أشتمه فليس هذا ما نتمنى ولا ما نعمل لأجله.

لن أنسى مقولة الدكتور المرحوم محمود جلال حمزه الذي كان موسوعة علميه فقال "حاولوا جاهدين أن تبتعدوا عن مهنة المحاماة حتى لا تظلموا أحد وإن عملتم فاتقوا الله بما تعملوا" كنت وما زلت من الأشخاص الذين يصممون على تحدي الصعاب وأدركت اليوم حقيقة العدالة المنقوصة التي نعاني منها جميعاً.

دولة القانون العربي التي بُنيت على سحق القانون ومنع الحريات، تراها تكتب "مركز تأهيل وإصلاح" وعندما تقرر زيارته تجد أنه مركز تدمير وقتل للذات ويبتعد عن مقومات الحياة التي قررتها الأمم التي تتغنى بالإنسانية، إلا من رحم ربي.

القانون شعار جميع الدول عندما يتناسب مع قراراتهم وأنظمتهم، ويصبح تدخلاً في شؤون الدولة عندما يطالب بأن يُحترَم لخدمة المجتمع، يقول محمود درويش "الأمل ليس مادة ولا فكرة إنه موهبة"، مازال لدينا أمل باحترام القانون في عالمنا العربي وإذا لم يُحترم فلماذا تفتحوا لنا مدارسكم وجامعاتكم ومحاكمكم لنتعلمه؟

ساكسونيا انتهت منذ زمن فلا تعيدوها لنا "حيث كان يعاقب من ينتمي لطبقة الرعاع بقطع عنقه، "أما النبلاء فيقطع عنق ظِله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.