شعار قسم مدونات

ارتدي لون الأنوثة دون "ميك آب"

التجميل

اختراع مساحيق التجميل، أو مايطلق عليه في المجتمات المخملية أقنعة "الميك آب" نظرًا لاقتباسهم المصطلحات الأجنبية للتعري من كل شيء إلا الأقنعة، ولم يكن عن عبث ولم يكن ليجمل المرأة بقدر ما جعلها تهرم بسرعة أكبر، ويضطهدونها أكثر تحت شعار "الجمال".

مسكينة هي الأنثى التي تستيقظ لتضع بعضًا من الكريم والكثر من "البودرة" لتخفي عيوب حزنها، مسكينة جارتي تلك التي لا يعرفها أولادها دون مستحضرات Chanelأو Christian dior، فهي لا تشتري إلا من أغلى الماركات العالمية كي توصف بالجميلة، وتخبئ وراء جمالها ذل زوج قمعها كي لا تعرف طريقًا إلا متجر زائف للأقنعة.

تبلور معظم النساء أعينهن بالكحل الأسود وتبقى قلوب الكثيرات منهن بلا غلاف، حتى أننا بتنا نمتدح جمال امرأة لأنها أبدعت في تلوين خذلانها بظل العينين.

لم تكن جارتي الوحيد المسكينة، فهناك "الوضيعات" من الأفضل ألا أصفهن بهذا الوصف، لأني أحزن عليهن، بل على السلعة التي يرسمن بها أقنعة "الميك آب" بلون الورد ليمارس عليهن البغاء، ليسرق جمالهن في سرير متقد بكل شيء إلا الحب، مسكينة تلك الفتاة التي أرغمها حبيبها، الذي وعدها بالزواج وهرب، على وضع المساحيق المسمومة ليراها الجميع جميلة، فانتقمت من نفسها بوضع زيف الألوان لتصبح أقرب إلى علبة من "الدهان" اللامع.

وبالرغم من أن مساحيق التجميل ظهرت منذ أكثر من خمسة آلاف عام، إلا أنها لم تستطع أن تبتكر منتجًا لإخفاء عيوب الأخلاق التي يفتقدها الكثيرون، بل على العكس كانت قناعًا لتجعل أفكار الناس تتداخل بين جمال القناع والأخلاق، فدفنت معظم القيم، وتحولت لقناع يقمع حرية الأنثى بلثمها بلون داكن بعيدًا عن لحن للحياة.

تبلور معظم النساء أعينهن بالكحل الأسود وتبقى قلوب الكثيرات منهن بلا غلاف، حتى أننا بتنا نمتدح جمال امرأة لأنها أبدعت في تلوين خذلانها بظل العينين "الشدو"، ونتهامس فيما بيننا عن امرأة حاولت أن تخفي ندب جروحها بريشة البودر الغامق لكنها لم تنجح، وفي النهاية يبقى حكم المجتمع للمظهر الخارجي بعيدًا عما في قلوب الكثيرات.

وبالرغم من أن الفراعنة أول من نسب إليهم الكحل، ما يعيد اختراعه إلى العرب، ليخترع بعدها العالم العربي الأندلسي أبو القاسم الزهراوي حمرة الشفاه "الروج"، إلا أن الغرب لم يتطرقوا له إلا في القرن السادس عشر.

وما انتشار ثقافة الأقنعة بينهم إلا للتأثير في الأفلام السينامائية التي أبدعنا نحن العرب فيها بحياتنا الواقعية، فتأصلنا في فنون الكذب والإعلام المنمق والحياة المزيفة، كما المكياج الذي ابتكر بداية من أرجاء وطننا العربية، لذا لا يثير استغرابنا إن رأينا كل أنواع المساحيق موضوعة على وجوه حكام العرب، والكثير منها على شفاه نسائنا الشرقيات، اللواتي زرع فيهن المجتمع منذ الصغر فكرة لا تتكلمي حين تضعي "الروج" كي لا يزول، لتبقى النساء بعدها مغلقة الأفواه إلى الأبد.

عزيزتي، ابحثي عن الحب الحقيقي، عن الرجل الذي يحب قلبك دون مستحضرات تجميل، ذاك الذي يريدك كما أنتِ على طبيعتك.

يحزنني أن أقول أن جمال المرأة الشرقية في عين الرجل العربي، ينتهي بعد انتهائه من شهوته الجنسية، وإن كانت وضعت آلاف الدولارات على وجهها لشراء "الميك آب"، فإنه سيتركها بعد نشوته وحيدة إن لم يجمعهما الحب، لذا فنصيحتي لكل أنثى أن تمسك بعلبة "الميك آب" الموجودة في حقيبة يديها، وتلقيها في أول حاوية تمر أمامها، وتنظر إلى نفسها في المرآة لتعرف نفسها بلا قناع الزيف الذي تعيشه في مجتمع غلبت عليه القشور ونسي اللب والمحتوى.

أيتها الأنثى، إن أردتِ أن تعيشي تحت قناع الزيف الذي اعتدتي عليه، فتأكدي أنك ستتقدمين في العمر يومًا ما وستبقن وحيدة، تنثرين بعض الكحل على عينيك علها تخفي تجاعيد وجهك، وبعض أحمر الشفاه الذي لن يعيدك إلى سن العشرين، وحينها فقط ستقنعين بزيف "الميك آب"، لأنك حينها لو استخدمتِ أشهر أنواعه لن تخفي الكبر والتعب في ملامح وجهك الذي أنهكه زيف المضمون.

عزيزتي، ابحثي عن الحب الحقيقي، عن الرجل الذي يحب قلبك دون مستحضرات تجميل، ذاك الذي يريدك كما أنتِ على طبيعتك، كوني أنثى ترقصين على جثث القلوب التي رمتك في قاع البحر، كوني كما أنتِ بسذاجتك وطفولتك، ارتدي لون الكرامة والأنوثة دون "ميك آب"، ارتدي الألوان الغجرية، ولتدعي الأسود لأولئك الذين حاولوا أن يجسدوا جمالك بقناع، وانسِ مؤامرة العشق الجسدي التي تجتاح قلوب معظم الرجال، كوني فقط عربية تذبل فرحتها في فنجان قهوتها المرة كل صباح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.