شعار قسم مدونات

محمد.. ليس دوماً أفضل الأسماء

blogs - father
في ذات مرة، طلب مني صديق قديم أن أقترح عليه اسماً لمولوده الجديد، فقلت له: سمِّ ما شئت، ولكن إياك أن تسمي ما "حُمّد وعُبّد"، فشدَّ حاجبيه للأسفل وحملق عينيه وقال: "عجبي! وهل ثمة اسم لولدك خير من اسم نبينا محمد؟".

قبل أن أجيب عن تساؤل صديقي، دعني أذكرك قارئي العزيز أن المعاجم اللغوية تعرف "الاسم" بأنه ما يُعْرف به الشيءُ ويستدلُّ به عليه، فإن كان للمطبخ والصالون والدرج اسم يشكل "دالة مميزة" لكل منهم عن سائر أجزاء المنزل، فإن المولود الذي يزور هذه الدنيا حديثا الأَولى أن يُمنح اسماً يميزه عن أقرانه، وأهله، وأبناء حيه، ولاحقا المدرسة والمجتمع.

إن وسمك لابنك باسم النبي ﷺ لا يمنحه صكَّ الرضى والسعادة، والقبول الاجتماعي ما لم تُتْبعْه التربيةَ السليمة، والتنشئة القويمة على الأخلاق الحميدة والقيم السامية.

إن تسمية المولود الجديد بـ"محمد" ومشتقاته، أو "عبد" وملحقاته، يحرِم الطفل من تلك الدالة المميِّزة له. وقد سألت أشخاصا كثرا يحملون هذه الأسماء، لو أن أحدا هتف باسمهم بصوت عالٍ في حشدٍ للناس، هل يدفعهم ذلك للالتفات والانتباه إليه، فكانت إجابة جلهم بـ"لا" وأردفوا: إن العشرات والمئات يحملون اسمي.. فلست المعنيَّ بلا شك!

 ولمّا كانت شوارع المدينة على كثرتها يحمل كل منها اسما دالا يميزها عن بعضها البعض على الرغم من تطابقها في الشكل وتماثلها في الاتجاه، فإن الإنسان أحق من أي شيء في هذا الكون باسم دال يميزه عمن سواه، خاصة أن كلا منا يختلف عن أقرانه بهواياته ومكنوناته النفسية وسلوكياته وطبائعه وذوقه وتوجهاته ورغباته وأحلامه.

ولذلك قلّ ما يتطابق عنوانان بنفس التفاصيل، لكنك إذا ما اطلعت على السجل السكاني لأي دولة إسلامية فستجد أن المئات من أبناء المجتمع الواحد يحملون ذات الاسم الثنائي، وهذا ما يفقدهم جميعا الدالة المميزة. وهذا ما يضطر كثيرا من الرجال لاتباع وسائل أخرى للتعريف بأنفسهم كالنبش في أسماء الآباء والأجداد كي يميزوا أنفسهم عمن يشابهونهم أسماءهم! وإذا ما سألت الآباء عن تسمية أبنائهم بمحمد، فإن الإجابة معروفةٌ لديك يا عزيزي القارئ؛" تيمناً برسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم".

وعلى الرغم من شغف الآباء في إكساب أبنائهم بركة نبينا محمد ﷺ ونبله، وكرمه، ودماثة خلقه؛ إلا أن كثيراً ممن يحملون هذا الاسم عوضا على أنهم فاقدون للدالة المميزة، فإنهم أيضا مفتقرون لأخلاق محمد ﷺ وهديه، ومخالفون لمنهاجه وسنته. إذن العبرة ليست بالاسم، فشرفُه لا يقيل العثرات، وإن وسمك لابنك باسم النبي ﷺ لا يمنحه صكَّ الرضى والسعادة، والقبول الاجتماعي ما لم تُتْبعْه التربيةَ السليمة، والتنشئة القويمة على الأخلاق الحميدة والقيم السامية.

وهنا بإمكاني أن أعود لصديقي مجيبا: نعم، هناك ما هو أفضل من أن تُسمّي ابنك محمدا، إن حسنتك الأولى التي تقدمها له أن تُفْرِدَه باسم محبب ذي معنىً يضمن له دالته المميزة، ويشعره بالفخر بك، وبعدها عليك أن تغذي عقله وروحه بالهدي المحمدي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.