شعار قسم مدونات

صُنّاع الأفلام .. قنابل موقوتة تنشط في الظلام

blogs - camera
كان يبدأ صباحه بفنجان من القهوة في حديقة منزله الواسعة الى جانب غيلونه العجوز الذي رافقه لسنوات طويلة ولكنه اليوم بدأه باتصال مفاجئ شتت تفكيره وروع نفسه!.

لقد تم خطف 22 شخصا واتخاذهم كرهائن مقابل ألا يعرض الفيلم الذي ولد وتربى معه منذ الصغر، لقد كان ذلك الفيلم ثقيلا وعبئا عليه بما فيه الكفاية فقد نشأ وترعرع في عقله وتغذى من دمه وصحته ورافقه في جميع رحلاته وسفره وكان عليه أن يتحمل سخرية الناس من حوله واستهزائهم به طوال الوقت.

واليوم وقبل أن يرى النور بساعات قليلة يجوب الفيلم شوارع نيويورك معلنا حالة الطوارئ ويتطور الأمر الى أعمال شغب وعنف تطالب بإيقاف عرض الفيلم !.
 

يقال أن في كل عقل انسان "مخرج" فأي جملة تتفوه بها أو فعل تقوم به أنت في الواقع قد كتبت السيناريو سابقا في عقلك ومن ثم قمت بعملية المونتاج واضافة التأثيرات

لم يكن بتصور مصطفى العقاد أن فيلما عن الإسلام يعرض مضمونه ويخلع عنه عباءة الإرهاب التي ألبسها له أعداءه من المغفلين والأذكياء في الشرق والغرب سيكون كالخيل الجموح وهو اسم يطلق على الحصان العنيد الذي يصعب ترويضه، فلم يكن ينتهي من حل مشكلة حتى يدخل في دوامة أكبر من التحدي ومواجهة الاعلانات والدعايات التحريضية التي تدعو الى مقاطعة الفيلم.

وبعد رحلة طويلة ممزوجة بأقسى أنواع المعاناة تم عرض الفيلم الذي كان وقعه على مهاجميه كالصاعقة في سماء صافية ، حيث ابتدأ من كان معارضا له يؤنبه ضميره على وقوفه ضد فيلم هو الأكبر مشاهدة في العالم ليومنا هذا حيث ترجم الفيلم الى أكثر من ثلاثين لغة وشوهد من قبل أناس لايعرفون القراءة ولا الكتابة وقد وزع على مؤسسات ومنظمات عالمية بما فيها الجيش الأميركي وقد أسلم أكثر من ثلاثون ألفا في أميركا وقتها.

لقد أصبحت صناعة الأفلام في زمننا الحالي محط أنظار الكثيرين، وبالرغم من تعدد التوجهات والأساليب في هذه المهنة، إلا أن من يتّبع طريق تصحيح المسار وبناء العقول يبقى الهاجس الأكبر لطغاة العصر وخفافيش الظلام فهو يهدم في ساعتين أو مايزيد أمام أنظار المشاهدين ماعمل هؤلاء على بناءه في عقولهم منذ عشرات السنين ويفجّر الحقيقة المخيفة التي تنسف كل ماجاؤوا به من تزييف للحقائق وتغيير للمعطيات.

اذا أردت أن تصبح صانع أفلام تقليدي فذلك ليس بالصعب لسهولة الحصول على الأدوات اللازمة وانتشارها الكبير بين فئات المجتمع بالإضافة الى توفر العديد من الدروس عبر الشبكة العنكبوتية والتي قد تساعدك في كسب بعض المعلومات.

ويلاحظ أنه مع تدني المستوى الأخلاقي للغرض المنشود تصبح المهمة أسهل بكثير كما أنها تتلقى دعما كبيرا من المؤسسات والشركات لكثرة رواجها في السوق وعوائدها المالية الكبيرة .

أما اذا فكرت في التبحّر فيما تم تحريفه من حقائق والعمل على توضيحها وايصالها الى العامة بشكلها الصحيح فإنك على أبواب حرب الإمبراطوريات الكبرى والتي تعتبرك كقنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت لتنسف ناطحات سحاب بأكملها من المصالح المتبادلة على مر التاريخ والتي بنيت على التزوير والتزييف.

كم من الأشخاص الذين قابلتهم في حياتك يحملون في عقولهم قنابل موقوتة وأنت لاتشعر بذلك، فهم يقومون ببناءها وتغذيتها بشكل صحيح حتى تنضج وتكبر

وربما قد تدفع بروحك ثمنا لهذه المواجهة كما حدث مع العقاد من قبل وغيره كثر كالممثل والمخرج السينمائي جوليانو مير خميس والذي على الرغم من أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وهو المنحدر من أصول فلسطينية إلا أنه أصر على السير على خطى والدته آرنا مير وهي الناشطة اليهودية التي ناضلت من أجل حقوق الفلسطينيين ودعم قضيتهم أمام الإحتلال الإسرائيلي حيث قام مسلحون مجهولون بإطلاق النار عليه وقتله أمام مسرح الحرية الذي أسسه جنبا إلى جنب مع زكريا الزبيدي القائد العسكري السابق لكتائب شهداء الأقصى في جنين.

يقال أن في كل عقل انسان "مخرج" فأي جملة تتفوه بها أو فعل تقوم به أنت في الواقع قد كتبت السيناريو سابقا في عقلك ومن ثم قمت بعملية المونتاج واضافة التأثيرات الازمة لتخرجه بطريقتك أنت، فهو يحمل اسمك على الدوام، وهو إما أن يكون تقليديا بنكهة جديدة أو مبتكرا يحمل طابعا مميزا ولربما كان بمثابة قنبلة موقوتة تنشط وتنمو في عقلك ولايراها أحد غيرك لتخرج في الوقت المناسب.

وكم من الأشخاص الذين قابلتهم في حياتك يحملون في عقولهم قنابل موقوتة وأنت لاتشعر بذلك، فهم يقومون ببناءها وتغذيتها بشكل صحيح حتى تنضج وتكبر وتبنى على أسس متماسكة لتنفجر في الوقت المحدد مخلّفة وراءها أثرا تتهاوى أمامه كبرى الإمبراطوريات في العالم وتعجز عن محوه ، وليس ببعيد من هنا حتى قارئ هذا المقال لربما كان يحمل بين طيات عقله قنبلة موقوتة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.