شعار قسم مدونات

حروب الأعداء الوهميين

blogs - Barack Obama Vladimir Putin
في كتابه الممنوع من النشر في روسيا: Blowing Up Russia: The Secret Plot to Bring Back KGB Terror -على حد علمي لا يوجد نسخة عربية من الكتاب وإنما إنجليزية فقط، وربما روسية أيضا. جهاز كي جي بي، وهي المخابرات الروسية قبل سقوط الاتحاد السوفيتي، وخليفة هذا الجهاز اليوم هو جهاز إف إس بي (مخابرات الاتحاد الروسي).

في الكتاب أكد العقيد الشهيد المسلم ألكسندر ليتفننكو -رحمه الله- أن عملاء إف إس بي مسؤولون عن تفجير شقق في موسكو ومدينتين أخرتين عام 1999. وكان ذلك ليتم اتهام الانفصاليين الشيشان من المسلمين بالمسؤولية عن تلك التفجيرات، التي اسُتخدمت كذريعة لشن غزو روسي ثاني على الشيشان. والمدبر لذلك كله هو رئيس الجهاز آنذاك فلاديمير بوتين لكي يفتك بالمسلمين الشيشان؛ وقد فتك بالمسلمين في المجازر المروعة في غروزني؛ ونتج عن احتلال بوتين للشيشان للحصول على شعبية عارمة أوصلته للحكم.

أرادت روسيا من صناعة القاعدة رد الصاع صاعين لأمريكا بعدما هزمت القاعدة الاتحاد السوفيتي وفككته، وفعلا هذا ما تم بضرب العمق الأمريكي في 11 سبتمبر

كان العقيد ألكسندر ليتفننكو قد هرب لبريطانيا طالبا الحماية منها بعد ملاحقات روسية له؛ لأنه أخرج بعض فضائح روسيا عندما كان هناك. وفي مقابلة مع BBC في لندن صرح العقيد ليتفننكو: "أؤكد على عمل الظواهري كجاسوس روسي".

إدوارد سنودن هو الآخر فضح جهاز الأمن القومي الأمريكي NSA، وفضح وكالة الاستخبارات المركزية CIA، وأوضح بأن كليهما لا يتجسسان وحسب على المواطنيين الأمريكيين والمواطنيين الأجانب، وهم في دولهم فقط، بل على الأنظمة الحاسوبية العالمية؛ الهواتف النقالة؛ البريد الإلكتروني؛ أنظمة الاتصال المخابراتية للدول الصديقة؛ أنظمة تشغيل السدود والمستشفيات والأنظمة الكهربائية في اليابان كمثال. بحيث لو تحولت اليابان إلى عدو فإن الولايات المتحدة تستطيع قطع الكهرباء عنها.

اتفق كل من الروس والأمريكان على استخدام الجاسوسية كأداة استعمارية بحتة؛ للحصول على السيطرة المعلوماتية على العالم ومن ثم السيطرة الاستعمارية المباشرة. ومن أهم هذه الأدوات هي صناعة العدو. نعم فقد صنعت أمريكا وروسيا القاعدة كل بطريقته الخاصة؛ حيث جندت روسيا الظواهري ودربت أمريكا جنود القاعدة أيام حرب الاتحاد السوفيتي على أفغانستان باعتراف هيلاري كيلنتون أمام الكونغرس الأمريكي.

وأستطرد هنا لأسأل كل من يؤمن بفكر القاعدة؛ وأقول: "ألم تلجأ القاعدة لأمريكا لتحصل على دعمها ضد السوفييت، وفي أحيان أخرى ضد الحكومات الإسلامية التي تتهمها القاعدة بالعمالة لإمريكا؟ بمعنى كأن القاعدة تقول للعالم: "أنت يا أمريكا كافرة وملحدة وتحاربين الإسلام؛ ولكن احتجنا لتدريبك لنا في أفغانستان، وزار بعض قياداتنا البيت الأبيض وهذا فقط لكي نحارب لاحقا عملاءك يا أمريكا في العالم الإسلامي"! ويلكم و أين ما تدعون من عقيدة الولاء والبراء؛ وهي والله منكم براء.

الحرب اليوم ليست حرب معارك على الأرض وحسب؛ بل حرب معلومات. المعلومة قوة وسلاح ومن لا يمتلكها لا يمتلك القوة. لعب الروس والأمريكان بعقول البشر طويلا من خلال صناعة العدو ثم يقومون باستخدام جميع أنواع الأسلحة الفتاكة ليس للقضاء على العدو وحسب؛ بل على كامل البلد التي هو فيها!

أمريكا ساهمت في صناعة داعش لكي تشوه صورة الإسلام وتُشعر الخليجيين بالتهديد الأمني وتبتزهم لكي يدفعوا أكثر لتحميهم

صنعت أمريكا القاعدة فاحتلت العراق واستولت على خيراته وقتلت أكثر من فيه من السنة؛ وجعلت من أفغانستان مقبرة لكل من استخدمتهم أيام حرب السوفييت. القاعدة هي صناعة مشتركة لروسيا وأمريكا وكل منهما كان يستفيد منها على طريقته.

أرادت روسيا من صناعتها رد الصاع صاعين لأمريكا بعدما هزمت القاعدة الاتحاد السوفيتي وفككته، وفعلا هذا ما تم بضرب العمق الأمريكي في 11 سبتمبر. لكن المفارقة هنا أن أمريكا كانت تعلم بالهجوم وسمحت له بإتمامه، بل وهناك من يقول إنها أمدته بسبل النجاح. لكي تتمكن من تحقيق أهداف استراتيجية منها احتلال العراق؛ ابتزاز الخليج؛ ودفن من تبقى من مقاتلي القاعدة في مقبرة كبرى اسمها أفغانستان وأخرى اسمها العراق.

اليوم؛ داعش هي الأخرى خليط وصناعة مخاباراتية لكل من مخابرات الأسد؛ إيران؛ إسرائيل؛ روسيا؛ وأمريكا. حيث استفاد الأسد منهم بأن أظهر للعالم كم أن الإسلاميين متوحشين وأن ما يقوم به هو من جرائم لا يعد شيئا أمام ما تقوم به داعش. واستفادت إيران منهم لجعلهم ذريعة وحجة قوية لاحتلال سوريا والعراق معا؛ وأظهرت للعالم عبر لوبيها القوي في أمريكا (بقيادة الداهية تريتا بارسي) أن الإسلام الشيعي إسلام جيد ومعتدل فيما إذا قورن بالإسلام السني، وأن تكون داعش أداة عالمية لابتزاز السعودية. واستفادت إسرائيل منهم بأن جعلت العالم يغفل عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني المحتل؛ وأظهرت للعالم أنها لا تحارب سوى حفنة من الإرهابيين في فلسطين مثل داعش تماما.

أما الفوائد التي حصلت عليها روسيا فهي أكثر من أن تحصى، ليس أقلها أن داعش كان الذريعة والحجة الأساسية لاحتلالهم لسوريا وتأمين وجود لها على البحر الأبيض المتوسط أو ما يسمى بالمياه الدافئة؛ لأن شواطئ روسيا متجمدة طوال العام مما يعيق تحرك سفنها التجارية والحربية. كذلك فإن روسيا أرادت تطويق ومحاصرة تركيا من جنوبها "حلب" و شمالها "القرم" وشمالها الشرقي "جورجيا"؛ لكي يسهل احتلالها مستقبلا.

أما أمريكا فقد ساهمت في صناعة داعش لكي تشوه صورة الإسلام وتٌشعر الخليجيين بالتهديد الأمني وتبتزهم لكي يدفعوا أكثر لتحميهم. ودليل ذلك أن البغدادي لم يجرؤ على أن يتفوه حتى بذكر اسم إحدى هذه الدول فضلا عن تهديدها في داخلها.

نجح العالم في صناعة داعش والقاعدة لكي يحتل العرب؛ في المقابل لم ينجح العرب حتى في صناعة قلم رصاص

كانت وما زالت منطقتنا العربية تحت المراقبة الجاسوسية الكاملة وبالأقمار الصناعية من الدول الكبرى على مدار الساعة. لتضمن عدم تفوق العرب تكنولوجيا أو عسكريا بمحاولة صناعة أسلحة نووية متطورة. هناك دولة واحدة كسرت هذا الحصار وهي تركيا؛ حيث تصنع أكثر من نصف حاجتها من السلاح وليست مكتفية ذاتيا بالغذاء وحسب؛ بل تصدر لدول أوروبا الغذاء. وهي إحدى الدول القليلة في العالم بلا دين أو قروض. لذلك ومنذ سنوات قامت الاستخبارات العالمية وعلى رأسها أمريكا بزرع جاسوس جدعوني من يهود الدونمة وهو الإرهابي فتح الله غولن ودخل أمريكا بضمانة وكفالة مجموعة من كبار الضباط في الاستخبارات الأمريكية؛ ومنذ ذلك الحين وهو يخطط إلى انقلاب 15 تموز الفاشل.

ولكن ماذا حدث؟ هل كانت الدقة الاستخباراتية العالية لدى أمريكا ناجحة؟ هل نجحوا في استعمار تركيا من خلال وضع خونة لهم في السلطة؟ بالطبع لا! لأن الشعب التركي انتفض عن بكرة أبيه وقاوم الاحتلال الأمريكي عبر العميل السري غولن. وانتصر الشعب وفشلت المخابرات.

يمكن للأمريكان والروس خداع البشرية بعض الوقت؛ ولكن لا يمكنهم أن يخدعوا الإنسانية طوال الوقت. طالما أن هناك شعوبا واعية مثل الشعب التركي العظيم ورئيسه البطل أردوغان؛ وطالما هناك شرفاء في هذا العالم مثل إدوارد سنودن والشهيد إلكسندر ليتفننكو فلن يتمكنوا من السيطرة على العالم.

العرب فشلوا استخباراتيا و فشلوا بسبب عدم التعويل على شعوبهم للأسف، لذلك أصبحوا مستعمرين من قبل الاستخبارات العالمية. لذلك نجح العالم في صناعة داعش والقاعدة لكي يحتل العرب؛ في المقابل لم ينجح العرب حتى في صناعة قلم رصاص فضلاً عن صناعة الرصاص نفسه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.