شعار قسم مدونات

العشيرة مٌقابل الدولة

blogs- الجامعة الأردنية

يتساءلُ كثيرونَ حول تجذُّرِ مفهوم "العشيرة" ومعانيها في عقل المواطن الأردني، وأين يُمكن أن
يصل الانتماءُ لها وهل يُعارض الانتماءُ للعشيرة والمنطقة، الانتماء للوطن، بأيّ شكلٍ من الأشكال؟

مجموعة أحداث مُتراكمة، تدُلُّ على اعتماد الأردنيين على المنظومة العشائرية كأسلوبِ حياةٍ يُمارس
المواطن من خلاله المشاركة السياسية، ويأخذ به حقه في غيابٍ شبه كاملٍ لمفهوم الدولة وقوانينها.

الأمر لم يقف عندَ مُشكلة ضربت أكبر الجامعات الجامعة الأردنية، وحملت طابِعًا مناطقيًا بحتًا فهي ليست المأساةَ الأولى ولا الأخيرة، فالـ"فزعة" المبنية على الأساس العشائري والمناطقي دائمًا ما
كانت أساس المشاكل الكبرى في الجامعات، والتي قد تتحول في كثيرٍ من الأحيان إلى ساحات معارك يُمكن أن ترى فيها نزالاً مسلّحًا إذا أردت!

يعتبرُ الأردنيون أنفسهم من أكثر الشعوب العربية وعيًا، ويُنادون بالتغيير والإصلاح ولا يُمكن لأحدٍ أن يُنكرّ أنهم حاولوا ونجحوا في أنّ يظلّ الأردُنُّ ربيعيًا، أثناء الربيع العربي، بينما يظهرُ لك أنّ كُلّ ما سبق يتساقط فجأةً في مرحلة الانتخابات.

انتماؤنا للعشيرةِ والمنطقةِ والأصل، لا يجبُ أن يتقاطع مع انتمائنا للوطن، واحترامنا لسيادة القانون ومنظومة الدولة.

حتّى اليوم، مُخرجاتُ مجلس النواب تُثبت للمشاهد حقيقة أنّ أساس الترشح للانتخابات، عشائريٌ  مناطقيٌ يعتمدُ فيه المرشح والناخب على القرابة والأصل والمنبت، دون أيّ اكتراثٍ للقيمة السياسية للمُرشحين أو برامجهم، التي لا يقدمونها في الغالب!.

"لعيونك يا عادل ثقة" لم تكن كلمةً غزليّةً في أهم جلسة لمجلس النواب الأردني، جلسة منح الثقة لحكومة الدكتور هاني المُلقي، بل كانت ردةَ فعلِ مُبيّتة من إحدى النواب، لتُعطي الثقة للحكومة نِكايةً بنائبٍ كانَ قد أساء برأيها لأحد الوزراء ألا وهو "عادل"، والذي برّرت دفاعها عنه، بأنّ الإساءة لهُ إساءةٌ للعشيرة التي تكونُ عشيرتها كذلك!.

المُراقبون لهذه التصرفاتِ دون معرفة، يعتقدون لوهلةٍ أنّ "العشيرة" في الأردن، لم تحمل يومًا سوى المساوئ والسلبيات، دون إدراكٍ حقيقيٍّ لدورها ودور رجالات العشائر المُختلفة منذُ قيام الدولة.

اليوم، نقفُ لنسأل بصدق كيف نؤثر بهذه الأفكارِ على مفهوم الدولة ومؤسساتها، وكأنّ الأردن يحتملُفسادًا أو تغليبًا لأي مصلحةٍ على مصلحته، فأن يعتبر البعض التصرفات السابق ذكرها، طبيعيةً، واعتيادية لن يجُرّ الدولة إلاّ للخلف.

قد يُشكلُّ الحديثُ في هذا الموضوعِ طعنًا لركيزة المبادئ الأساسيّةِ عند البعض، لكنّ الهدف الحقيقيّ لم يكُن ولن يكون التنصُلَّ من الأصل والعشيرة المغزى الحقيقيُّ الذي نواجهه من هذا الكلام، هو الحاجةُ المّاسة للتفريق بين العشيرةِ كمنظومةٍ اجتماعية، تُكون "عزوتُكَ" في الأفراحِ والجاهات، وعن مفهومها كمنظومةٍ سيّاسية، لا يُمكن أنّ تكون كذلكِ بالفعل!.

إنّ الدعوةَ لدولةٍ "مدنيّة"، يُشكّلُ احترام القانونِ فيها الأساس، لا يُمكن أن يتحقق بهذه الطريقة وانتماؤنا للعشيرةِ والمنطقةِ والأصل، لا يجبُ أن يتقاطع مع انتمائنا للوطن، واحترامنا لسيادة القانون ومنظومة الدولة، فالعشائر لم تكُن يومًا "فزعة الباطل"، والأرجحُ بالثقةِ أن تكونَ "لعيون الوطن"، لا لعيون عادل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.