شعار قسم مدونات

الشهيد نادر العمراني ومعضلة الإرجاء المسلح

Blogs - nader omrani

لم يعد للأخبار المؤلمة وقعٌ في عالمنا الذي صارت الفجائع جزءً من يومياته المحزنة، فقد ألفنا المصيبات حتى مات فينا العجب، ورغم أُلفتنا لهذه الكوارث المؤسفة فإن ثمت أخبارا تصلنا بين الحين والآخر تكون فارقة في وعينا الجمعي، سيما وأن بعض تلك الفجائع قد تكون متعلقة بثلمة في الدين، وأقدم عليها بدعوى حفظ الدين وبغطاء ديني وتنفيذ من متزعمي تدين جمعوا بين الجهل وعمى البصيرة وسوء الأخلاق.

وإن من أحزن الأنباء التي انتشرت هذا الأسبوع وحركت العالم الإسلامي شرقا وغربا وأقضت مضاجع المصلحين وأسهرت ليلهم خبر استشهاد الشيخ الفاضل الناسك المتخلق بأخلاق المحدثين والسائر على درب السلف الصالح فعلاً وقولاً الدكتور نادر السنوسي العمراني تقبله الله ورفع درجته في عليين.

كان الشيخ نادر العمراني رجلا عالما تؤرقه مشكلات الأمة فكان يعالجها بنَفَسٍ رسالي دؤوب؛ فكل همّ الشيخ نادر كان في بث العلم ونشر الوعي السليم.

إن حدثا كهذا لا يمكن أن يمر بغير تعقيب على الدلالات الخطيرة التي تشير إليها تلك العملية الإجرامية، إذ هي تحمل دلالات جد خطيرة في الساحة الإسلامية، فقد عرف التيار المتهم بالوقوف خلف تصفية الشيخ نادر السنوسي العمراني بالحروب الكلامية وتنفير طلبة العلم من مشايخ بعينهم لأن أجهزة الدول العميقة لا ترضى عنهم، أما وقد وصلوا للاستهداف الشخصي بعد أن شكلوا غطاء دينياً لجرائم حفتر، وشاركوا في حمل السلاح على نصرة لولي الأمر المعتوه فإن ثمت سؤالين يجب الجواب عنهما، وهما: لماذا استهداف الشيخ نادر بالخصوص؟ والثاني: ما هي التطورات التي حدثت لتيار المدخلي حتى حمل السلاح بعد أن اشتهروا بالبعد عنه حد الهستيريا.
 

نجيب عن السؤال الأول في هذه التدوينة ونرجئ الجواب عن السؤال الثاني في التدوينة القادمة، فأقول إن كل من أتيحت له فرصة لقاء الشيخ نادر السنوسي والتعرف إليه عن قرب يدرك أنه يقابل شخصية استثنائية في العلم والاتباع وحسن الخلق والكياسة والمرونة والصلابة في الحق والوعي الشامل مع وسطية كانت سبب نقمة الغلاة عليه من كل نحلة.
 

كان الشيخ نادر العمراني رجلا عالما تؤرقه مشكلات الأمة فكان يعالجها بنَفَسٍ رسالي دؤوب؛ فكل همّ الشيخ نادر كان في بث العلم ونشر الوعي السليم، ومقاومة الطغيان والجبروت، وقد سخر كل وقته وجهده -مع بقية مشايخ الإصلاح والدعوة- لترميم ما أفسدت عقود تخلف عهد العقيد وزمرته، فقد سافر في سبيل ذلك أسفارا عديدة، وأقام رفقة مشايخ آخرين من دار الإفتاء معهدا عاليا لتعليم العلوم الشرعية، وقد هيئت لطلابه كل الظروف المواتية، وكان يسهر على نجاح المعهد ويسعى لتهيئة كل الظروف المواتية من أجل قيام المعهد بمهمته، فالشيخ نادر رجل من رجل الإنجاز مع ما أعطاه الله من عفة في اللسان وصبر على المخالف، إضافة إلى أنه سلفي المعتقد والسلوك والمظهر والدراسة، فقد تخرج من قسم الحديث من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة حيث تأسس تيار الغلاة من مرجئة العصر الذي عرف بإلجاميه أو المدخلية.

لم يستطع المداخلة تصنيف الشيخ ضمن تيار معين لينفروا منه فاحتاجوا إلى جهود مضاعفة انتهت باعتبار التصفية هي الوسيلة الأقرب للتخلص منه والوقوف في وجه دعوته ونصحه وتوعيته بخطرهم.

ويفترض المداخلة أن من تخرج من ذلك القسم في الزمن الذي تخرج منه الشهيد نادر لا ينبغي له إلا أن يكون مدخليا يتبنَّى رؤية الشيخ ربيع المدخلي التي تقوم على تعديل من زكّته المخابرات، وتجريح من تطعن فيه بغض النظر عن الأسباب والدواعي الموضوعية، ولديهم تهمة جاهزة تكفي لجرح أوثق الرجال وأقواهم وأكثرهم قبولا لدى الأمة، وتلك التهمة هي رمي الشخص بكونه إخواني الهوى أو لا يلعن الشهيد سيد قطب، في ليبيا بسبب عقود التجهيل التي مارسها القذافي وجد هذا التيار أرضية مناسبة للنمو وقد "باض هناك وفرّخ".

وكان الشيخ الشهيد نادر العمراني يشكل عقبة كؤودا في وجههم إضافة إلى أنه خريج قسم الحديث الذي كان لربيع نفوذ فيه ثم هو من أعلم الناس بخطرهم لمعايشته لهم أيام الطلب ولمشاهدته لآثارهم السيئة في بلده؛ حيث ينحصر همهم وعملهم وجهدهم في تجريح أهل العلم والدعاة وصرف الشباب عنهم للاكتفاء بتسجيلات تجريحيه تأتي من جاميه من مصر، وفتاوى أخرى معلبة تأتي من المدخلي أو الفالح لتحديد موقف سياسي بعينه، كما أن سلوك الشهيد نادر السلفي الإيجابي مناقض لسلبيتهم وعدميتهم، فهو شيخ إيجابي ذو رسالة إنقاذية، مع باع واسع لقبول الآخر.
 

ولم يستطيعوا تصنيفه ضمن تيار معين لينفروا منه فاحتاجوا إلى جهود مضاعفة انتهت باعتبار التصفية هي الوسيلة الأقرب للتخلص من الشيخ والوقوف في وجه دعوته ونصحه وتوعيته بخطرهم، لكن فعلتهم هذه ستعود عليهم لعنة إلى يوم الدين، فدماء ورثة الأنبياء تطهير من كل رجس شيطاني، وبما أن المداخلة في السنوات الماضية كانوا يكتفون بالتجريح اللفظي والتعديل القولي فإنهم في الآونة الأخيرة تجاوزوا الأعراض المصونة إلى الأنفس الزكية وإراقة الدماء فإني أرى أن الأمر يحتاج إلى تشخيص جديد للوقوف على حقيقة هذا الخطر أولا، ثم الوقوف في وجهه ثانيا، حتى لا يزيد استفحالا. وهذا ما نود التوقف معه في التدوينة القادمة تحت عنوان: (المداخلة: من حداد الألسنة إلى صوام الأسنة)

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.