شعار قسم مدونات

في اليوم العالمي للطفولة!

blogs - child
المجدُ لأطفال بلدي، الكبار بأعوام قليلة، الرجال بأجسام صغيرة، العاقلون بتصرفات حكيمة، الصابرون الثابتون المؤمنون بالحياة!

المجدُ لِمن أطلق شَرارتها مرة أولى بأصابع لم تعرف الزيف على جدران مدرسة شهدت أعوام الثورة الخمس، ثم تغيَّر مصير البلاد!

المجد لمن سُجنوا ولم تشفع لهم طفولتهم، وعُذبوا مثل الكبار، سياطا تأكل من أجسادهم، كهرباء ترتجف معها العقول، وكُسِّرت ضلوعهم، وقُلِّعت أظافرهم ثم استقبلتهم الجنَّة عصافير تَحْتَرِف الحرية.

المجد لمن حَملوا الهمَّ كبيرا يفوق هامتهم طولا، يساومون الحياة على أقدارهم، يراهنون على النجاة الأخيرة، ويرفعون شارات النصر كلما لمحتهم عدسة كاميرا الفضوليين!

المجد لمن تركوا مدارسهم يعيلون عائلتهم أو ما تبقى منها.. يقسمون أن يغيروا القدر في الغد ثم ينامون منهكين إلا من حلمٍ بأشياء أجمل!

المجد لأبناء الشهداء، الفاقدون آباء وأمهات، من أودعوا عالمهم الصغير في القبر ثم عادوا ليكملوا المشوار بعيون لا تعرف الانكسار وكلهم يقول "ستسقط وسنعيش".
 
المجد لمن رأوا أصدقاءهم في مقاعد الدراسة شهداء، يشيعونهم إلى مثواهم، ثم في يومهم التالي يجلسون بقرب مقاعدهم، يقصّون عليهم ما تبقى من حكايا اليوم، وينهون الحديث "اشتقنا".

المجد لأخت شهيد زفته يوم جنازته عريسا، بأعوامها التسعة تبكيه وتقول "راح الحنون".
المجد لأخ شهيد لم يفهم معنى أن يرتفع الشهيد للجنة، بقيت أعوامه الخمسة تبحث عن الطريق وكلما لمحَ طيفا جديدا سأل "أتعرف طريق الجنة؟ دلّني عليه".

المجد لأطفال عاشوا الحصار سنة بعد سنة، بات الحلم عندهم صغيرا جدا لا يتجاوز "طبق فواكه" حين رسموا أمنياتهم في الحصار!

المجد لأطفال خرجوا من تحت الأنقاض شيباً تختلط ملامحهم بملامح الأرض، يحملون من لونها الكثير، ثم غص الدمع بعيونهم ولفهم الذهول، صامتين بقوا أمام العدسات ساخرين من لحظة اقتناص الصورة، ملامحهم تختصر حكاية الوطن!

المجد لمن شهد مجزرة الكيماوي، عدو خفي سلب أفراد عائلته خلال ثوانٍ، رآهم يتساقطون أمامه، واحدا تلو آخر، يعدّهم في فاجعة، ويبقى مسمرا في مكانه، وحين يُسأل عنهم يجيب "ذهبوا، لم يبقَ لي أحد".
 
المجد لمن أصابتهم شظايا وقذائف شوَّهت تفاصيل الطفولة في وجوههم، تركت الحروق عليها أثرا لا يمحوه الزمان، ثم استطاعوا بعد ذلك الابتسام!

المجد لمن أفقدتهم الحرب أطرافهم، أطفال بيدِ أو بدون أيدٍ، برجل ٍ أو بدون أرجل، يدخلون معركة تفوق عمر العالم حجما وثقلا وهمّا، ليساوموا على مستقبلهم بأطراف ناقصة، وعقول كاملة، ثم يضحكون!

المجد لقوافل الشهداء من الأطفال، لا تنقطع منذ سنين، يزورون السماء كل ليلة، عصافير تملأ الجنة

المجد لمن تركوا مدارسهم يعيلون عائلتهم أو ما تبقى منها، يخرجون كل صباح قبل الشروق، يسابقون اليوم بحركتهم، يعدون أجرهم في نهاية اليوم، ويقسمون أن يغيروا القدر في الغد ثم ينامون منهكين إلا من حلمٍ بأشياء أجمل!

المجد للساكنين الخيام، المشردين داخل الوطن وخارجه، يقاومون ثلج شتاء، وشمس صيف، يجعلون من خيامهم واحات لعب، ويطيرون فرحة إن حصلوا على حذاء جديد في الشتاء يحمي الأرجل الصغيرة!

المجد لمن مشوا مع عائلتهم طريق الغربة، وكانوا يظنون أن الرحلة لن تدوم، وأن المنزل الجميل سيكون قريبا جدا ثم اكتشفوا بعد ذلك أن الوطن أبعد من الأفق بكثير، فبات الحلم عودة لا أكثر.

المجد لقوافل الشهداء من الأطفال، لا تنقطع منذ سنين، يزورون السماء كل ليلة، عصافير تملأ الجنة، تغرد بين الغيوم، تستقبل الصاعدين، وتتلوا على بقايا الوطن آيات الثبات!

المجد لأطفال بلدي… من عاشوا طفولة استثنائية.. وغدوا رجالاً أبطالاً وشهداء!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.