شعار قسم مدونات

"بلوكاج" مؤقت أم انقلاب صامت؟

blogs-morocco government

لا يزال الحديث عن الانتخابات البرلمانية وما يرتبط بها حاضرا بقوة على المشهد السياسي بالمغرب، فوسائل الإعلام والشارع المغربي منشغلان هذه الأيام بفشل مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة وهي الحالة التي أصبحت توصف بـ "البلوكاج " التي تعني العرقلة.

شكل يوم 7 من أكتوبر الماضي حدثا سياسيا هاما أثار انتباه وسائل الإعلام العربية والدولية خصوصا أنها ثاني انتخابات تشريعية بعد الإحتجاجات الشعبية (20 فبرلير) لسنة 2011  وما أفرزته من دستور لا تزال الصحافة الوطنية تتغنى به.
 

استقبل الملك محمد السادس يوم 10 أكتوبر الماضي عبد الإله بنكيران وكلفه بتشكيل الحكومة المقبلة وترأسها لولاية ثانية

هذه الانتخابات التي سبقتها حملة شرسة شهدت اصطداما وتنافسا وتراشقا في الاتهامات بشكل غير مسبوق مما دفع الملك في أحد خطاباته لوصفها بـ"القيامة ". نتائجها كانت مفاجئة لما راج في الرأي العام عن احتمال سقوط حزب العدالة والتنمية وتصدر الأصالة والمعاصرة النتائج، لكن الحزب الأول حصل على 125 مقعدا متفوقا على باقي الأحزاب بفارق كبير.

دستوريا خولت هذه النتيجة لحزب العدل والتنمية الفائز تشكيل الحكومة، وتطبيقا لما جاء به الدستور استقبل الملك محمد السادس يوم 10 أكتوبر الماضي عبد الإله بنكيران وكلفه بتشكيل الحكومة المقبلة وترأسها لولاية ثانية.

الآن، وبعد مرور أكثر من 45 يوما على تاريخ الاقتراع يواجه بنكيران تعثرا في إنجاح مفاوضاته  فشلا في المشاورات، وهو ما عبر عنه في أحد تصريحاته الأخيرة. رغم اصطفاف كل من التقدم والاشتراكي الحليف السابق وحزب الإستقلال إلى جانب العدالة والتنمية وموافقتهما على التحالف الحكومي، إلا أن ذلك لم يكن كافيا بعد أن رفضت بعض الأحزاب يتزعمها التجمع الوطني للأحرار المشاركة إلا بشروط تعجيزية أبرزها إبعاد حزب الإستقلال من التشكيلة الحكومية مقابل الموافقة على الانضمام.

وهذا ما اعتبره رئيس الحكومة المكلف ابتزازا سياسيا غير مقبول، فبنكيران الذي أصبح متمرسا، يفهم جيدا قواعد اللعبة السياسية بالمغرب، وهذا ما جعله يوجه إلى مناضلي حزبه خطابا عشية احتفالهم بإكتساح حزبهم نتائج الاقتراعات أكد فيه أن النتيجة ليست بالضرورة حاسمة في تشكيل الحكومة واستشعر منذ ذلك الحين صعوبة المشاورات الحكومية .

مؤخرا تناقلت المواقع الإعلامية فيديو مصور لرئيس الحكومة بنكيران وهو المعروف بتصريحاته المثيرة للجدل، أثناء استقباله لأعضاء من شبيبة حزبه، قال من خلاله أنه معتكف في بيته ولا يخرج إلا نادرا، وجوابا عن سؤال غياب أنشطة استقبالاته في قمة المناخ بمراكش من الظهور على التلفزيون الرسمي، أجاب بلهجة حادة بالدارجة المغربية " يدوزوها ولا مايدوزوها … يضبروا لمخهم " بمعنى أنه لايهتم لذلك.

الفيديو المصور بعث من خلاله رسائل مشفرة إلى من يهمهم الأمر والذين يتهمهم قياديو العدالة والتنمية بممارسة التحكم والسعي لإجهاض المشروع الإصلاحي الذي جاء الحزب لتنفيذه في ولايته الحكومية .

وبالرجوع إلى جوهر القضية والإشكالية التي تطرح نفسها موضوع النقاش العام، وهي: هل فشل المشاورات الحكومية مجرد عرقلة عادية مؤقتة وغير مخطط لها، أو أنه انقلاب يوصف – بالناعم – يتم الإعداد له بعد فشل كل محاولات القضاء على تجربة العدالة والتنمية في قيادة الحكومة؟

في الواقع، لا أعتقد أن هذه الأزمة تعتبر انقلابا على نتائج صناديق الاقتراع ومحاولة لعزل حزب العدالة والتنمية وإقصائه من تولي قيادة الحكومة للولاية الثانية، وكل ما في الأمر أن الدولة العميقة بعد أن فشلت محاولاتها السابقة في إضعاف العدالة والتنمية والحيلولة دون تصدره النتائج الانتخابية، تحاول اليوم الضغط على الحزب عبر إفشال مشاوراته مع الأحزاب الأخرى المعروفة بالإدارية المقربة من دوائر إدارة الدولة العميقة.

الاتهامات التي يروج لها أنصار الحزب  بخصوص وجود مؤامرة تحاك في الخفاء للقيام بانقلاب صامت على الإرادة الشعبية  ليس سوى ضغطا مضادا

وبالتالي إرغام الحزب على قبول شروط هذه الأخيرة التي تستهدف إيقاف خطوة الإئتلاف مع الكتلة الديموقراطية (حزب الاستقلال والاتحاد الإشتراكي) وضمان استمرار الأحزاب الإدارية كالتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية وربما إضافة الإتحاد الدستوري وسحب المناصب الوزارية الهامة كوزارة الخارجية والمالية والفلاحة والتجارة  من العدالة والتنمية، بشكل يمنع لإنفراد حزب العدالة  بقيادة الحكومة إلى جانب حلفائه.

وكل هذا يستهدف الحد من تنامي قوة حزب بنكيران الذي بات يتوفر على قاعدة شعبية قوية، ورغم ذلك فالمخزن لايزال يراهن عليه في قيادة الحكومة نتيجة ما قام به في الولاية السابقة من التنازلات وترضيات تفوق ما كان متوقعا منه .

أما الاتهامات التي يروج لها أنصار الحزب اليوم بخصوص وجود مؤامرة تحاك في الخفاء للقيام بانقلاب صامت على الإرادة الشعبية فهذا ليس سوى ضغطا مضادا، وأسلوبا ناجعا يتبناه أنصار الحزب في مواجهة خصومه السياسيين.

أخلص في الأخير إلى أن هذه الأزمة السياسية لها تداعيات مكلفة على المستوى الاقتصادي والسياسي والإداري للبلد وينبغي على الأحزاب السياسية إيجاد صيغة توافقية لتجاوزها في القريب العاجل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.