شعار قسم مدونات

هل حقا هذا تعليم؟

blogs - university

يروي أحد أصدقائي الذي تخرج في جامعة عربية معروفة أن محاضراً جامعياً يحمل درجة الدكتوراة بقي لثلاثة أسابيع بعد بدء العام الدراسي يسأل طلابه أيهم يمتلك كتاباً يتعلق بطبيعة المساق المقرر حتى يدرسه لهم، بعد أن تكاسل المحاضر ومن قبله الجامعة في توفير مساق دراسي يتناسب مع ما سيواجهه الطلاب في سوق العمل بعد التخرج.
 

في بلد عربي آخر وجامعة أكثر عراقة من سابقتها، عيّنت الجامعة محاضراً ليُدرس "الإعلام الجديد" لطلبة كلية الإعلام، لكن العجيب أنه لا يمتلك أي حسابات شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع المستخدمة في الإعلام الجديد، ما جعله محط تندرٍ من طلبته في كل مرة يضيفوا له معلومة جديدة ويصححوا أخرى، بعد أن انقلب الحال بينهم فأصبحوا هم الأستاذ وهو الطالب.
 

تركز أغلب جامعاتنا على التدريس المرتبط بتاريخ العلوم ونشأتها ومؤلفيها وباحثيها، دونما تركيز على الطرق المثلى في الاستفادة من هذه العلوم، واستغلالها بشكل أمثل.

لست هنا بصدد المزايدة على أي من المدرسين أو الجامعات، فكلهم أصحاب فضل عليّ وعلى سواي من الطلاب، وإن كان فضلاً محدوداً لكن الحقيقة التي يجب أن نتوقف عندها، كيف سيكون تقييم المدرس إن خضع للجنة مختصة لقياس ما قدمه خلال عام كامل من محتوى علمي، وتنوع أساليب عرضه للمعلومة وقدرته على جذب انتباه الطلاب، وهي أصلاً وظيفته!
 

عادة يولي الطالب اهتماماً كبيراً للجامعة التي سيدرس بها وكذا التخصص، ويرسم لنفسه أحلاماً لا تنتهي يظنها ستتحقق بعد الانتهاء من الجامعة، في الحقيقة يتخرج الطالب في مجتمعنا العربي من الجامعة كما دخلها مع قليل من المعرفة، وكثير من الإحباط، فهي لا تتعدى كونها مشروعاً استثمارياً في أغلب الأحيان.
 

تركز أغلب جامعاتنا على التدريس المرتبط بتاريخ العلوم ونشأتها ومؤلفيها وباحثيها، دونما تركيز على الطرق المثلى في الاستفادة من هذه العلوم، واستغلالها بشكل أمثل فيما يتناسب مع الحقبة الزمنية التي نعيشها والتطور المعرفي الكبير الذي يرافقها، ودون اكْتَرَاث منها لما وصلت إليه أنظمة التعليم في العالم من طرق تعليمية جديدة وأساليب متنوعة بفضل التكنولوجيا، عدا عن المزاجية في الاختبارات والتصحيح التي تقضي على التنافس بين الطلاب.
 

معظم الطلاب الذين تخرجوا في جامعاتنا الموقرة لم يكونوا راضين عما حصلوا عليه من معرفة خلال سنوات دراستهم، فعادةً تتبع الجامعات أسلوب التلقين أكثر من غيره، ومعيار التمايز هنا مقدرة الطالب على حفظ هذه المعلومات لحين الاختبار، فإن حفظ جيداً حصل على درجة مرضية.
 

دعنا نأخذ نظرة على تصنيف معهد التعليم في جامعة "جياو تونغ شنغهاي" الصينية لأفضل 500 جامعة في العالم، وهو بالمناسبة من أكثر المؤشرات المعترف بها عالمياً لقياس جودة التعليم في الجامعات، لم يكن نصيب الجامعات العربية إلا خمس جامعات أربع منها سعودية وواحدة مصرية، في حين فُقد العرب في أول مئة جامعة.
 

تأكد تماماً أنك إذا اكتفيت في أن تقضي سنواتك الجامعية داخل أسوار الجامعة فقط، فإنك ستقضى مثلها خارج أسوار سوق العمل لاحقاً.

ما أرمي إليه في بيان حجم الضعف في جامعاتنا ليس أن تغض الطرف عن الجامعة والالتحاق بها، فإن فعلت ذلك لا أظنك ستحصل على وظيفة لائقة في بلادنا، فالورقة التي تأخذها في نهاية السنوات الأربع من الدراسة هي بمثابة تذكرة دخول لسوق العمل، وليس إشعاراً للحصول على قبول في أي من الوظائف الموجودة فيه.
 

إذا كنت تريد الحصول على وظيفة، فليس عليك أن تكتفي بكتب يتم اختيارها بناءً على أهواء من سيدرسونها غالباً، وما هي في الحقيقة إلا مذكرات لأساتذة ربما ماتوا قبل أن تولد بسنوات عديدة، دونما أن يعرفوا شيئاً عن طبيعة البيئة التي سنعيشها وسنعمل بها.
 

لا تحصر نفسك في قوقعة العلم الجامعي، بل أطلق لعنانك أن تزداد مع كل يوم علماً جديداً ومعلومةً إضافية، وسّع مداركك وأفق تفكيرك بمطالعة الكتب ودراسة التجارب الحديثة، استمع إلى من سبقك لسوق العمل وخذ بنصيحتهم، التحق بالدورات التدريبة وأجعل لنفسك نصيباً من التجربة قبل أن تكتشف أن ما تعلمته خلال الجامعة يختلف تماماً عما ستواجه في سوق العمل، وتأكد تماماً أنك إذا اكتفيت في أن تقضي سنواتك الجامعية داخل أسوار الجامعة فقط، فإنك ستقضى مثلها خارج أسوار سوق العمل لاحقاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.