شعار قسم مدونات

من عيّن أمريكا وغيرها وسيطاً علينا؟

Houthi supporters hold up banners reading in Arabic 'Allah is the greatest of all, Death to America, Death to Israel, A curse on the Jews, Victory to Islam' during a rally protesting against the US support for the Saudi-led military offensive in the war-torn country, in Sana'a, Yemen, 01 March 2016. According to reports, thousands of Houthi supporters took to the streets of Sana'a to protest against the US support for the Saudi-led military coalition fighting Houthi rebels and allied army forces in order to restore the internationally recognized government of Yemeni President Abdo Rabbo Mansour Hadi. EPA/YAHYA ARHAB

فاز ترمب وقامت الدنيا ولم تقعد، في الولايات المتحدة الأمريكية قبل غيرها، احتجاجات جابت الشوارع الأمريكية، وصدمات "عاطفية" صابت المندهشين بفوزه وترشحه للرئاسة و"قيادة العالم"، كما الأعناق بقيت مرتقبة لمعاينة ما يَحصل، وما نكتفي به هو المشاهدة، فما عسانا نفعل أمام تلك الإمبراطورية؟ إن كنا نراها.
 

لا أعلم من جعلها وكيلةً في العالم لكل العالم، ولم أكن حاضرةً حين حصل كل ذلك، لكن في كل مرة تتعالى الأصوات تجاهها يقف السؤال في حَلقي: هل حقاً أنتم وكلتموها رقابكم، وبكل "سذاجتكم" تنتظرونها لتصنع شيئاً يناسبكم ولصالحكم؟ ومتى كان ذلك آخر مرة؟ والسؤال المطروح تِباعاً: منذ متى فعلت شيئاً لنا نحن العرب؟ ولم علينا من الأصل أن ننتظر شيئاً منها؟ فمن حكّمها علينا؟ وهل هي بالقوّة التي نتخيل؟ أم طوابير السفارة وصعوبة تأشيرة "الجرين كارد" جعلها أرضاً مستحيلة وأعطاها هالة القيمة والمعنى دون شيء!

كل يوم، كل موقف، كل شخص يموت، كل حجرٍ يُهدم فيك يا بلدي، هو بمثابة فرصةٍ من الله لنا، كي ننظر للأعلى متيقنين به وحده، فمن أخرج هذه الثورة الحيّة من القلوب الموات، قادرٌ على إتمامها ولو كره الكافرون

إنّ حالة الثورات الحاصلة في يومنا، جعلتني أوقن بقيمة الفرد وقدرته على صنع المستحيل وحيداً، فكيف حين يشترك معه أهل منطقته وبلده؟ شيء يخرج من داخلي كل مرة، حين رأيت أهل بلدي ومدينتي في حلب، يحترقون في الطرقات جسداً بعدما حُرقت قلوبهم، بسبب القنابل الحارقة والهجوم البربري عليها. من أشخاصٍ لا يعرفونها ولم يَعيشوا بها يوماً، ولا حتى في أخواتها الأخريات. وأطفالٌ يلفُّهم الوطن بعد خروجهم من الخداج لأجل حمايتهم، ولا تملك الممرضتين سوى البكاء حين تضيق أخلاق البلاد ويُقهر الرجال.
 

لست بصدد رفع صوتي كي تنظر لي تلك الدولة، التي لا تعرف عني شيئاً، ولا حتى تعرف أين تقع دولتي.. ماذا ننتظر من أمريكا ورئيسها، كلما أتى وضع السابق منه في جيبه، تماماً كقوله تعالى "كلما دخلت أمة النار لعنت أختها"، وليس كلامي بصدد الحديث عنه وعن التصريحات والتوقعات حوله، إنما القصد توجيه بوصلتنا مرة أخرى، للتركيز علينا نحن وقدرتنا لصياغة مستقبلنا بأيدينا، لتوجيهها إلى الغاية التي خرجت من أجلها الثورات وصناعة الحرية، فما اعتماد الحطّاب على فأس غيره سوى مذلة، وتعلّق كسب رزقه ورقبته بمن لا يَطول له في ملك الحياة شيء.
 

حين قُطِعَ الحبل السريّ المتهتك عن سنين الذلّ السابقة، كان لِزاماً على المرء تذكر المكان الذي خَرَجَ منه، والندبة المتبقية في وَسَطِه، والعاهة التي يحاول تجاوزها عبر زمنه وسنين عمره، التي عبثاً يحاول الانفكاك عنها، ليس لأجله هو، وإنما كي تبقى هذه العاهة لديه ولا تصل لمن بعده.
 

كل يوم، كل موقف، كل شخص يولد، كل شخص يموت، كل حجرٍ يُهدم فيك يا بلدي، هو بمثابة فرصةٍ من الله لنا، كي ننظر للأعلى متيقنين به وحده، فمن أخرج هذه الثورة الحيّة من القلوب الموات، قادرٌ على إتمامها ولو كره الكافرون.. فهل تريدون بعد ذلك العودة إلى المربع الأول ولكن بالخسائر الفادحة؟ لا أعتقد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.