شعار قسم مدونات

بين جحيم الحرب والكفاح السياسي

Tribal fighters walk as fire and smoke rises from oil wells, set ablaze by Islamic State militants before IS militants fled the oil-producing region of Qayyara, Iraq, November 1, 2016. REUTERS/Alaa Al-Marjani TPX IMAGES OF THE DAY

هل سيسقط بقية المشرق العربي أم سيصمد، إلى أين سيذهب العراق بعد كل هذا القتل والدمار، ماذا عن سوريا التي لم يُقدّم مثلها أي شعب كما قدمت من الشهداء، ومن يتقدم ليس حرّاس الثورة الذين فرقهم الداعمون! ونقصُ وعيهم، وإنما من يتقدم تحالف الطائفية النازي، هل هو وصفٌ موضوعي؟

 

نعم، فليس المقصود نعتٌ للمشاتمة، فجرائمهم فوق كل وصفِ بسجل الحقيقة، ورصدُ المنظمات الدولية في العالم.

 

لا توجد دلائل اليوم، بإمكانية صد هذا التلاحق في سقوط الدول تحت جحيم الحروب، وكل ما يجري هو استدعاء لتسويات دولية كبرى

وما هو مآل اليمن، في أتون تحوّل المعركة الى حرب طائفية إقليمية، بدل الإنقاذ لشرعية توحده وتجعل مساحة لإنسانه، فيتقدم لحريته بعد ثورة شباب اليمن، تلك الثورة التي طُوّقت وحوّلت لعنة عن عمد وسبق ترصد، من الأطراف المتعاكسة اليوم.

 

وهنا وقفة مهمة هل تَحوّل الحرب لطائفية، وزج الزيدية رغم صراعهم المذهبي التاريخي مع التشيع المتطرف، عجّل بحسمها أم بانتكاساتها؟

خنَق إيران أم خدَمَها؟

 

أكثر ضجيج الخطاب، حُوّل منذ أزمنة الحرب العراقية الإيرانية، إلى دول الخليج ليقول:

ادعموا أو ستُهدّدون في حدودكم!

افعلوا أو سيُفعل بكم!

انتبهوا لأرضكم فليس الامر عند أرض الضحية!

توسلات، وكأنما بقية المشرق العربي، حديقة خلفية للخليج لقوة ثروته، ولا قيمة مستقلة للشعوب الضحية.

 

نعم، هناك ما يُفهم في واقع الدفع السياسي، للفكر والكتابة، بأن تُحرَّك كل كتلة قوية اقتصاديا وجيوسياسياً، لدفع خصم معتدي، لأجل مصالحها لا أصوت الضحايا.

 

فهذا منهج معروف في حسن مقصده، ودلالته لخدمة المضطهدين، لكنه لا يُبرر أن يحوّل بقية المشرق، الى قاعدة ردع فقط عن الخليج العربي، وليس إنقاذاً لشعوبه، من تحالف الغرب والطائفية المُحرق، الذي يُصبّ على المنطقة ويلتهمها.

 

ومع ذلك كله تحوّلت ثروة محور من الخليج الى اتجاه معاكس، فقوّت الثورة المضادة التي عصفت بكل موازين المعركة، وعززت قبضة الإرهاب على الضحايا، الإرهاب كل الإرهاب، من قصف الأمريكيين لكل مدني، الى مذابح عصابات الأسد والطائفية الشيعية، الى مذابح الغلو السلفي، وآلة القمع العربية، فسقوط الربيع العربي أزاح ثقافة، تصنع فُرص استقرار سياسي وأمن، كان من الممكن أن يستقرَّ به الشرق.

 

ولا توجد دلائل اليوم، بإمكانية صد هذا التلاحق في سقوط الدول تحت جحيم الحروب، وكل ما يجري هو استدعاء لتسويات دولية كبرى، قد توقف الحرب، هنا وهناك تحت حصيلة سياسية، أو حدود جغرافية جديدة، مع محاولات لاستدعاء انتداب دولي جديد تُنافس كل دولة، لتناله دون جيرانها، بمسميات عدة، ويفقد المشرق العربي المزيد من الاستقلال النسبي.

 

ماذا عن مصر وما بعد انهيار صورة مشروع السيسي، إلى أين ستتوجه محاولات إعادة تنصيبه، أو استبداله، وهل هناك مشروع وطني بديل للمعارضة، وما هو حصاد توجه السيسي اليوم، لتحالف مركزي مع موسكو وإيران من جهة، وعلاقة أكثر من قوية مع تل أبيب، أصبحت تُعلن رسمياً في خطين، يَظنّ البعض أنها متصادمة والحقيقة أنها متوافقة، وبقبول واضح من واشنطن.

 

إن تقييم قدرات الخليج العربي المتفرق في موقفه السياسي أصلاً -فهو ليس كتلة واحدة-، بات يعتمد نظرية مختلفة، وهي أن الرهان على أنه قوة دعم وتمويل مستمرة انتهى، وأنّ تمَاسك حدوده ووجوده فيها نظر، هذه قراءة تبدو بارزة لدى الدولة العميقة في مصر، والمشكلة أن عجز البديل الوطني للمعارضة، قد يطرح معادلة صراع أخرى، فتفقد مصر أمنها الاجتماعي النسبي، بعد أن فُقد دورها الجيوسياسي، وأصبح في خانة المحور الخصم.

 

هذه ليست قراءات محبطة وإنما رصدٌ للواقع الجيوسياسي، الذي يقف عليه المشرق العربي.

وقد يحقق دعم تركيا للجيش السوري الحر، في درع الفرات بعض التغيير، لكنه حتى الآن ليس مؤهلاً لمستوى من الحسم، فلتركيا حساباتها القومية أيضاً، كما أن الحالة العروبية الممانعة، أمام تقدم إيران لملأ فراغ داعش المنتهية صلاحيته، غير قادرة على ردعه في العراق، واضطراب البوصلة في اليمن يتعزز، ولا يوجد تغييرٌ ميدانيٌ ضخم يوقف حرب الاستنزاف.

 

فما هو الموقف الجمعي المطلوب، في صناعة الرأي السياسي العربي، هل سيظل يتوسل محور الخليج العربي، هل يملك له حلاً، هل يرى أن هذا الحل في صالحه، من يملك اليوم أن يحسم كقوة مستقلة يتحمل بها تبعات موقف المتوسلين.

هذا لو كان يريد هذا المحور ذلك؟

 

كم أضّر التعلق بالمحور الخليجي، في بناء سياسي عربي واسع، فزِعَ من اجتياح إيران، فأسقط تفكيره العقلي والسياسي؟

 

هذا هو سؤال المقال المهم، هل هذه الهستيريا أمام إعلام يتقرب من دول الخليج العربي، برهن الحل في سلتهم والتوسل لتدخلهم ممكن؟

 

هل عطّل هذا النوع من التفكير والارتهان الكلي، بأماني وتحليلات عاطفية وجدانية، تُمارس التشفي العاجز أمام إيران التوسعية، بتفكير العقل العربي والبحث عن المخارج لسقوطه الكبير؟

 

هل الحل في استمرار الرد الطائفي على حرب إيران الطائفية، التي حتى اليوم لا تصرّح بطائفيتها رغم كل جرائمها، وهي نقطة ذكية ضربت بها الموقف العربي، وتركته يُشعِل على ذاته حرب الرد الطائفية، ولكن ببالونات تنفجر في بيئته، ولا توقف حرباً، ولا عدواناً لمشروع الحلف الغربي الإيراني.

 

القضية هنا في محورية التفكير الجماعي وانتفاضة العقل العربي، الذي يُدرك أن صُراخه وملاعنته لن توقف هدم الشرق

هل هناك من حاجة لانتفاضة عقل وفكر، تؤسس لوعيٍ سياسي عميق، يجمع النخب ويعصر العقول للخروج من هستيريا التحليل الوجداني، وتوسلات المحور الخليجي، إلى معادلة توازن قد يشارك فيها هذا المحور بذاته، وتشارك فيه تركيا، لكن من خلال مشروع توازن متكامل، يصاغ لكل دولة، بنخبته الوطنية.

 

فما محور هذا المشروع، مع الاختلاف في كل مساحة من مأساة المشرق العربي، وكيف تُنظم الفكرة المرحلية والمشروع التنفيذي، حين يصفو الرأي؟

 

كيف تنظم؟

تلك مهمة العلماء والساسة والباحثين في كل حالة، ولكن المحور الرئيس هو وقف الحروب العسكرية والأمنية، وقد لا تقف دون دفعٍ ميداني للخصم المستعلي الشرس، ولكن بعد هذا الدفع قد تُفتح بوابة سياسية، وليس الحرب إلى ما لا نهاية، وقد يكون المحور بوقف الحرب الأمنية بمصالحة نسبية كما هو في مصر، ويُطلق المعتقلين، ويُنقذ الشارع الوطني ليخوض كفاحه السياسي.

 

القضية هنا في محورية التفكير الجماعي وانتفاضة العقل العربي، الذي يُدرك أن صُراخه وملاعنته لن توقف هدم الشرق، وإنما وقف الحرب من يفعل، ثم إطلاق الكفاح السياسي، الذي يحتاج قبله الى كفاح فكري، يستبصِرُ به صُنّاع الوعي، ما جهلوه وينبذون منابر الضجيج التي احتلتهم، الى مآذن العقل التي تُحييهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.