شعار قسم مدونات

إنه السُكَّر يا قوم

A man carries subsidized sugar after buying it from a government truck, during a sugar shortage in retail stores across the country, in Cairo, Egypt, October 14, 2016. Picture taken October 14, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh
من المثبت علمياَ أن نقص السكر في جسم الإنسان يؤدي إلى بعض الأعراض كالقلق والعصبية والصداع وكثرة النسيان، ذلك كون "الجلوكوز" وهو الاسم العلمي لمركب السكر البسيط، المادة الأساسية التي تتغذى عليها أدمغتنا، فمن منا لا يشعر بالنشوة وتحسن المزاج عند تناوله لقطعة من الشوكولاتة أو استمتاعه بطبق من الحلويات.

إذا وبحسب الدراسات العلمية فإن العلاقة بين البشر والسكر هي علاقة عشق أبدي، أو بالأصح هي علاقة إدمان لا علاج منه، الأمر الذي قد يدفع بالإنسان القيام بأي أمر للحصول على هذه المادة فيما يشبه تماما ردة فعل المدمن عند حاجته لجرعة المخدر.

وبهذا فمن غير المستغرب انتفاضة شعب كامل كالشعب المصري فيما يشبه بداية ثورة للمطالبة بتوفير مادة السكر، والتي تعد مادة أساسية بعد فقدانها من الأسواق في بلد اشتهر على مر العصور بأنه من أهم الدول في إنتاج السكر، وعلى الرغم من استخفاف الرئيس السيسي في خطابه الأخير من حجم الأزمة الحاصلة والتعبير عن أسفه وخيبة أمله بكون توفر السكر والأرز هو أقصى ما يتمناه الشعب.

الشعوب المقهورة حينما تشعر بأن أحداً ما قد سرق طعم السكر من حياتها قد تفعل أي شيء لاستعادته.

السيسي والذي ما فتىء ومنذ توليه مقاليد الحكم في مصر وعبر خطاباته العاطفية وماكينته الإعلامية إلى تجيير أسباب الأزمات الاقتصادية المتتالية إلى مؤامرات تحيكها وتنفذها جماعة الإخوان المسلمين وخلاياها النائمة، والتي كانت آخرها خلية "السكرية" التي عمدت إلى تفريغ الأسواق من مادة السكر؛ بهدف دفع الشعب إلى التمرد على "مخلصهم" أي السيسي بحسب إعلام الانقلاب.

منكراً فساد حكومته وسوء إدارته للبلاد وتحويلها إلى مزرعة لمؤسسته العسكرية التي سيطرت على جميع مفاصل الدولة ومقنعاً شعبه بأن حل أي أزمة تعصف بالبلاد لا تكون إلا بتدخل أيدي الجنرالات المباركة.

وليس من المستبعد أن يطل علينا في القريب العاجل أحد أذرع الانقلاب الإعلامية ليفسر لنا ظهور بعض الأصوات المعارضة والناقدة لأداء السيسي بأن أصحاب هذه المواقف كـ"خريج التوك توك" و"شرشوب " الصعيدي يعانون من نقص السكر؛ خاصة أن جميع الأعراض كالعصبية والتوتر ونسيان جميع إنجازات السيسي كانت بادية على وجوههم أثناء توجيههم لرسائل النقد.

هو السكر إذاً ذاك المركب العجيب الذي تسيطر به الحكومات على شعوبها وتخدرهم وتنسيهم همومهم من خلاله، هو الدواء لجميع أمراضنا الإجتماعية فـطبق من "الكنافة" كفيل بحل أكبر مشكلة عائلية وقد يكون أيضاً هو المعيار لرخاء الشعوب ورفاهيتها وتحديد مستقبل سياساتها.

فها هو الشعب السويسري يعيش حياة آمنة رغيدة بعيدة عن الحروب والقتل والدمار بفضل "السكر"؛ حيث أن المواطنين هناك يتناولون أفخر أنواع الشوكولاتة والتي تشتهر بلادهم بإنتاجها، وليس ببعيد عنهم؛ أدّى المساس بهيبة السكر حينما فرض وزير المالية البريطاني السابق "جورج أوزبورن" ضريبة على مادة السكر لدفع شركات المشروبات الغازية إلى تخفيض نسب السكر في منتجاتها، ذلك كان من الأسباب المؤدية إلى سقوط حكومة ديفيد كاميرون وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إنه السكر يا قوم وكم هو خطر التلاعب به ، لذلك على جميع الحكومات الحفاظ على هذه المادة الاستراتيجية وعدم التهاون بأهميتها، والعمل على توفيرها لشعوبها؛ حتى لا تفكر بالثورات وحتى لا تتحول مواسم حصاد قصب السكر إلى ثورات غضب السكر؛ لأن الشعوب المقهورة حينما تشعر بأن أحداً ما قد سرق طعم السكر من حياتها قد تفعل أي شيء لاستعادته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.