شعار قسم مدونات

الكومبارس ترامب.. ورائحة السمك

blogs - trump
أصابتني حالة كآبة عابرة منذ أيام، وطلبت المساعدة من أصدقائي على "Facebook" في اقتراح فيلم أشاهده، على أن يكون بعيدا عن الحزن والنكد، وجاءت أحد الترشيحات بأن أشاهد فيلم Home Alone 2 المنتج منذ التسعينيات، نظرا لأنه يحتوي على مشهد عابر يظهر فيه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب.

حسنا، بالطبع شاهدت الفيلم عدة مرات، خصوصا أنه معتمد لدى مجموعة من الفضائيات العربية للعرض ليلة الأول من يناير في كل عام! لكن كرمى للثانيتين اللتين يظهر فيهما رئيس أكبر دولة في العالم، لا بأس من قضاء ساعتين في مشاهدة الفيلم مرة أخرى.

بعض البشر يمضي حياته في مرحلة الواقع، مقتنعا بأنها الأقل مخاطرة، فطالما يقتنع هو بواقعه الأسوأ، فأي شيء سيحصل سيكون بالتأكيد إيجابيا.

ما إن شاهدت هذا المشهد، حتى قلت: "نعم، إنه الصوت ذاته الذي يزمجر في خطاباته الانتخابية!"، واحترت بعدها في الأسباب التي تدفع مليارديرا مثل ترمب لأن يقحم نفسه في مشهد عابر في فيلم كوميدي عائلي؟!

بعيدا عن ظهور رئيس جديد سيحتل شاشاتنا لأربع سنين قادمة -على الأقل، ترى هل يفعلها الأمريكان مرة أخرى بالتجديد له؟- وفي مشهد يبدو أنه في سوق سمك في مدينة نيويورك، يفتح سائق شاحنة بابها الخلفي، ليظهر من بين صناديق السمك المجمد شخصان قاما للتو بالهرب من السجن:

يقول أحدهما للآخر: ها قد وصلنا إلى نيويورك، مدينة الفرص.
ويحاول استنشاق أكبر كمية من الهواء، ويسأل رفيقه: هل تشم تلك الرائحة؟
فيحاول الآخر أيضا استنشاق الهواء، ويجيبه: نعم!
الأول: وهل تعرف ما هذه الرائحة؟
الثاني: نعم، رائحة سمك!
الأول: إنها الحرية
الثاني: لا، إنها رائحة السمك
الأول: إنها رائحة الحرية، ورائحة المال أيضا.
الثاني: حسنا، حسنا، إنها الحرية. ويخاطب نفسه أيضا: وهي رائحة السمك!
انتهى المشهد..

هناك حالة بشرية تتمثل بالرؤية الواقعية للأمور، وهناك حالة أخرى، قد تكون متعلقة بالفلسفة أو الحلم أو الإلهام أو بعد النظر -يمكنك تسميتها بما تشاء-.

بعض البشر يمضي حياته في مرحلة الواقع، مقتنعا بأنها الأقل مخاطرة، فطالما يقتنع هو بواقعه الأسوأ، فأي شيء سيحصل سيكون بالتأكيد إيجابيا.

مشكلتنا أننا نحاول أن نفرض رؤيتنا للحياة على من هم حولنا.. نحاول فرض وجهات نظرنا التي نراها صحيحة على من هم حولنا.

وآخرون يمضون حياتهم حالمين، متجاهلين لواقعهم وينظرون إلى ما بعد بعد الأحلام، و يقتنعون أن الحلم بشيء ما هو الخطوة الأولى في سبيل الحصول عليه!

وهناك فئة ثالثة، تمضي حياتها متنقلة بين الحالتين، فترة تطارد أحلامها وفترة أخرى مقتنعة بواقعها، تتنقل بين الحالتين وفقا للظروف والأحوال والقضايا! ترى من أفراد هذه الفئة من يتفاءل بكل حياته إن سارت أمور دراسته على ما يرام، ومنهم من يكون طموحا في علاقاته الاجتماعية ولكنه واقعي في قراراته المالية.

مشكلتنا أننا نحاول أن نفرض رؤيتنا للحياة على من هم حولنا.. نحاول فرض وجهات نظرنا التي نراها صحيحة على من هم حولنا.. نزعجهم.. حتى يضطروا في النهاية لأن يتظاهروا بالاقتناع!

ننسى نحن أن رائحة السمك لن تمنع الحالم من الفرح بوجوده في نيويورك، وأن نيويورك بصخبها لن تمنع الواقعي من شم رائحة السمك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.