شعار قسم مدونات

ما فعلته بنا مواقع التواصل الاجتماعي

blogs - social media

تبدو الفكرة مستهلكة وسخيفة حيث إننا في كل يوم تقريبًا نقرأ مقالات ودراسات وأحاديث جانبية ولقاءات عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي.

نعم قُتلت تلك القضية بحثًا بين مؤيد ومعارض، والكل  يبذل قصارى جهده وسعيه لإثبات صحة ما يقول، ولستُ هنا بصدد الحديث عن أي من تلك النقاشات والجدالات التي أهلكتنا نحن أيضًا، سأتحدث عن تجربتي الشخصية؛ عن الصور التى أراها مثلا في صفحات الأصدقاء من كل مكان في العالم، وعما أضافته لي كل هذه الصور والمشاهد من معلومات وربما خبرات في الحياة.

سأتحدث عن ذلك القلق الذي رافقني طويلًا في حروب غزة المتكررة؛ قلق على أشخاص تبدو معرفتي بهم للوهلة الأولى سطحية وغير منطقية، لكن هناك شيء ما لا إرادي دفعني دفعًا نحو هذا القلق إبّان الحرب.

سيظل نقاش وجدال ما فعلته بنا مواقع التواصل الاجتماعي ممتدًا لكني سأظل أشكر كل تلك المواقع على الصور والمشاهد التي شاهدتها وانتظرتها على صفحاتها.

قلق لا أفهم ماهيته وربما لا أريد أن أفهم، قلق جعل النوم يجافيني ليلة مجزرة الشجاعية، جفاء لا يتكرر معي كثيرا، واكتفيت حينها بساعات نوم لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. كان لون العاجل على شاشات الأخبار مفزع كما العادة واللحظات، بينما نقرأ الخبر ومعرفة منطقة القصف وعن ماذا أسفر، لحظات تشبه الموت، حتى إنني في بعض الأحيان كنت أفزع أكثر من صديقتي التي هي بالفعل تحت القصف أصلًا!

سأتحدث عن أيام الخوف التي أعيشها في الفترة التي تغيب فيها صديقتي الدمشقية عن التواصل معي. وحينما تعود أكتفي فقط بمطالعة آخر نشاط لها وآخر ما كتبت ونشرت ليطمئن قلبي حينها!

سأتحدث عن صور حارات القدس البهية، صور تشعرك تمامًا كأنك هناك، تشعرك لوهلةٍ ما، أنك الآن أصبحت تعرف المكان تمامًا كأنك كبرت فيه، تعرف عنه كل شيء وتعرف وجوه المارة كأنك ترافقهم كل صباح! أشم رائحة كعك القدس في أنفي لحد أنني أحبه حبًا جمًا وإن لم أتذوقه يومًا حتى الآن. أعرف أسماء بعض الحارات في البلدة القديمة وكيف تسلك طريقًا للحرم القدسي من خلالها وأنا في حياتي لم أرها غير من الصور!

سأتحدث عن صور دمشق، هديل الحمام في باحات الأموي وعباءات النساء هناك، ساحة المرجة والشعلان، سوق الحامدية، قصر العظم، وحارات الشام القديمة، جبل قاسيون وكومة الثلج عليه وكيف يمكن لصور أن تجعلك تنتمي للمكان ما لهذا الحد!

في خزانتي صندوق هدايا جاءني يوما من غزة من صديقتي هناك، يفترض وفقًا لعالم التعريفات أنها صديقة افتراضية، أهدتني ساعة يد ورسالة وورود مجففة وحبًا لم أر مثله ولا أخشى تقلبه. لا مصلحة في حبها ولا حبي.. تلاقينا يوما كغريبين ثم قررنا أن نكون أصدقاء لنرى أن الافتراضي ربما يتفوق على الواقع حتى لو رفضنا هذا!

في قائمة الموسيقى المفضلة لدي أغاني وموسيقى أهداني إياها بعض الأصدقاء ربما انتهت علاقتنا أو اختلفت بعض الشيء بحكم مشاغل الحياة، لكنني بمجرد سماعها أبتسم وأتذكر جميل العهد والود وأدعو من كل قلبي لمن أهداني إياها!

سيظل نقاش وجدال ما فعلته بنا مواقع التواصل الاجتماعي ممتدًا لكني سأظل أشكر كل تلك المواقع على الصور والمشاهد التي شاهدتها وانتظرتها على صفحاتها. على كل مشاعر الحب والقلق والخوف الذي عشتها هنا، على كل الأصدقاء الطيبين الذين عرفناهم هنا، سواء من بقى منهم أو من مر علينا مرورًا عابرًا.

ربما كانوا أصدقاء افتراضيين وربما كانت الصورة الملتقطة غير الواقع. لكن ما لا يمكن إنكاره أن مشاعرنا وما عيشناه لم يكن افتراضيًا ابدًا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.