شعار قسم مدونات

معركة الفلافل القادمة

A Palestinian man fries falafel to sell in the Baladiyat neighbourhood of Baghdad January 30, 2016. Picture taken January 30, 2016. REUTERS/Khalid al Mousily

في تقرير بعنوان "حروب الأطعمة: هل اخترع اليهود الفلافل في النهاية" نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية في نهاية عام ٢٠١٥، يرى البروفيسور شؤول ستامبفير، أستاذ تاريخ بالجامعة العبرية، أن أكلة الفلافل حديثة المنشأ، وهي نتيجة مختلفة لما توصل إليه البروفيسور في بداية دراساته وفقاً للصحيفة التي أجرت مقابلة تليفونية معه.

 

ستتسع معركة الفلافل الصامتة في أوروبا مع الأخذ في الاعتبار صعود أحزاب اليمين في شرق ووسط أوروبا وتوقعات صعوده ببلدان الغرب بعد فوز دونالد ترامب

يقول ستامبفير أن الفلافل ليست ظاهرة يهودية فريدة بل مثلها مثل الكثير من الأطعمة التي ظهرت كأكلة البطاطس والسمك البريطانية، الكشري المصري وغيرهم. وفقاً لستامبفير، خلافاً للرواية التي تذهب إلى رد أصول أكلة الفلافل إلى المجتمع القبطي (المصري) بالقرن الرابع قبل الميلاد، لم تظهر الفلافل ونظيرتها الطعمية في الأدبيات المصرية سوى بعد الاحتلال البريطاني لمصر. ثم اشتهرت الفلافل في بيروت وفلسطين في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي ثم في إسرائيل قرب أواسط القرن الماضي.

 

فعل البحث هو فعل ذاتي (أي متحيز) وسياسي مثل أي نشاط إنساني مُسيس بطبيعته. إن لم يكن تفسير ستامبفير اتجاهاً رسمياً بالضرورة في إسرائيل، فهي محاولة لتحييد فكرة التأصيل التاريخي والبحث عن الجذور عن معركة الاستحواذ الثقافي على الفلافل. ولسان حال هذا الاتجاه هو: إن لم تكن الفلافل أكلة لها أصول تاريخية عميقة، فلماذا لا نمتلكها جميعاً؟

 

في تقرير قديم نشرته صحيفة النيويورك تايمز عن الفلافل في بداية العقد الماضي، سأل جيفري ويل، شخص يعمل في مجال العلاقات العامة لدى وزارة السياحية الإسرائيلية، "هل سرقنا الباستا من الإيطاليين؟" ورد مجيباً على سؤاله "أي تراهات هذه؟". وفي نفس التقرير المنشور قديماً يقول هاجي نجار، شريك بمحل يسمى "حمص أصلي" (إسرائيلي) بنيويورك، أن "الفلافل أكلة عالمية مثلها مثل الهامبورغر". بلاشك، هاجر الكثير من يهود المشرق العربي إلى الدولة الجديدة وأتوا بأطعمة بلادهم معهم التي اجتذبت أيضاً اليهود الغربيين لتتحول إلى أكلة وطنية في سياق تشكل الهوية الوطنية الإسرائيلية ثم إلى ماركة شبه إسرائيلية في الغرب.

 

ليس غرض هذه التدوينة إعادة اكتشاف وتقديم جدل معركة الفلافل القديمة (والتي لا أعرف عنها الكثير)، بل أهدف إلى إلقاء الضوء على ذلك الجدل في سياق جديد، ألا وهو سياق اللجوء الشرق أوسطي إلى أوروبا. منذ بداية الحرب السورية وتوسع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، هاجر الملايين نحو تركيا وأوروبا. لم يهاجر السوريين والعراقيين كذوات منزوعة الهوية، بل هاجروا بثقافتهم التي يشكل الطعام جانباً رئيسياً منها.

 

إذا كان الواقع الديموغرافي في أوروبا في فترة تحول مفصلي بتدفق اللاجئين العرب خلال الفترة الماضية، كيف ستؤثر هذه التطورات على جدل ملكية الفلافل في أوروبا؟ محاولة الإجابة عن هذا السؤال واستشراف مستقبل معركة إعادة تعريف الفلافل يجب أن يوضع في سياق الأسئلة الثانوية التالية: إلى أي مدى سيستطيع العرب الإندماج ثقافياً في أوروبا؟ إلى أي مدى سيهتم القادمين بالانخراط في مشروعات ثقافية تنمي هويتهم الغذائية؟ إلى أي مدى ستتوفر وسائل تمويل لهذه المشروعات؟ وإلى أي مدى ستكون المشروعات ذات جدوى (من الناحية المادية) في سياق معدلات الاستهلاك المتوقعة للمواد الغذائية في أوروبا (وفي كل إقليم أوروبي بشكل منفصل) خلال العقد القادم؟

 

قطعاً، تدرك تل أبيب أبعاد موجات اللجوء الأخيرة وتأثيرها على إسرائيلية الفلافل في أوروبا، وهو الأمر الذي ربما سيأتي بالمزيد من الدعم الدعائي واللوجستي وربما المالي الإسرائيلي لمشروعات جديدة في أوروبا. ففي تقرير قصير نُشر في نوفمبر العام الجاري لمراسل جريدة الحياة اللندنية في روسيا، يرصد رائد جبر نتائج حرب الشاورما والفلافل التي نشبت في موسكو بعد تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة على خلفية إسقاط المقاتلة الروسية في سوريا بالعام الماضي. في سياق تضييق السلطات الروسية على الشاورما التركية يقول جبر "المهم أن غياب الشاورما، أتاح فرصة لكي تبرز وجبة الفلافل التي كانت نادرة في موسكو، فبدأت بالانتشار على نطاق واسع خلال العامين الماضيين، وإن كانت حلّت في روسيا بهوية "إسرائيلية"، على رغم أن العرب سبقوا الضيف الإسرائيلي الثقيل في تقديم هذه الوجبة الشهيرة، عبر سلسلة مطاعم حصرت اهتمامها بأماكن تجمُّع الطلاب والجاليات العربية".

 

تبعاً لهذه المعطيات، ستتسع معركة الفلافل الصامتة في أوروبا (على غرار روسيا) مع الأخذ في الاعتبار صعود أحزاب اليمين في شرق ووسط أوروبا وتوقعات صعوده ببلدان الغرب بعد فوز دونالد ترامب. وصعود أحزاب اليمين بغرب أوروبا، حيث تدفق اللاجئين العرب وتمركز الجاليات العربية القديمة، سيؤثر على معركة الهوية الغذائية من خلال عده مسارات.

 

يلعب الطعام، كمنتج ثقافي وسلعة اقتصادية، دوراً مؤثراً في المجتمع في إعادة تشكيل الصور الثقافية ومن ثم السياسات العامة

أولاً، قد تكتسب إسرائيل مساحات أكبر للعمل في أوروبا بدفئ العلاقات بين هذه الأحزاب وتل أبيب.

ثانياً، ستؤثر السياسات الداخلية (والاجتماعية) لهذه الأحزاب على الوافدين الجدد التي تمر هويتهم بعملية إعادة تشكل، سواء نحو الإنكفاء/التقوقع أو الإندماج (طبعاً ملف الهوية اعقد من ذلك). قد تدفع سياسات اليمين اللاجئين العرب إلى التمسك بهوياتهم الغذائية وإبرازها من خلال الاستثمار فيها.

 

القضية الأخرى، كيف ومن أين ستتوفر وسائل تمويل لفتح مشروعات، هل يمكن أن يوفر ما يسمى بالـ"مايكروفاينانس" ((microfinance مصادر تمويل للاجئين لفتح مشروعات غذائية؟

 

يلعب الطعام، كمنتج ثقافي وسلعة اقتصادية، دوراً مؤثراً في المجتمع في إعادة تشكيل الصور الثقافية ومن ثم السياسات العامة. الطعام ليس وسيلة للإشباع والبقاء فقط بل وسيلة امتاع ومادة يجتمع حولها الأشخاص من أجل التشبيك ((socializing مع أشخاص جدد. وبذلك، فالمنتجات الغذائية العربية قد تكون فرصة في يد اللاجئين العرب من أجل الإسهام في إعادة تشكيل الصور الثقافية في الغرب والإندماج في المجتمعات المستضيفة لهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.