شعار قسم مدونات

إعداد آسيا للتعامل مع ترمب

US President elect Donald Trump (C), with his wife Melania Trump (L), and Senate Majority Leader Mitch McConnell (R), after a meeting in the Majority Leaders office in the US Capitol in Washington, DC, USA, 10 November 2016. Earlier in the day, President-elect Trump met with US President Barack Obama and Speaker of the House Paul Ryan.

ربما يتصرف رئيس الولايات المتحدة المنتخب دونالد ترمب بمجرد توليه منصبه على نحو أفضل مقارنة بما رأينا منه خلال الحملة الانتخابية، أو قد لا يفعل، ولكن سلطة أميركا العالمية تلقت بالفعل ضربة قوية، وخاصة بين حلفائها وشركائها في آسيا.

 

إن ممارسة القوة الناعمة ــ القيادة بضرب المثال الديمقراطي والأخلاقي ــ لن تكون أمرا سهلا على ترمب، وذلك نظرا للازدراء الذي أبداه للحقيقة، والحجة العقلانية، واللياقة الإنسانية الأساسية، والفوارق العِرقية والدينية والجنسية، ناهيك عن حقيقة مفادها أنه لم يُنتَخَب حقا من قِبَل أغلبية من الناخبين. وعندما يتعلق الأمر بممارسة القوة الصارمة ــ القيام بما يلزم لمواجهة التحديات الخطيرة للسلام والأمن ــ فإن الثقة ليست كبيرة في قدرة ترمب على الحكم على الأمور، لأن كل تصريحاته تقريبا خلال حملته الانتخابية كانت إما شديدة التناقض أو مُرعِبة بكل ما في الكلمة من معنى.

 

قيادة الولايات المتحدة في آسيا أشبه بسيف ذي حدين. ومن الواضح أن المزاعم والتأكيدات الصاخبة بشأن التفوق هَدّامة ولن تؤدي إلا إلى نتائج عكسية

تتطلب صيانة الأمن والاستقرار والرخاء في آسيا بيئة تعاونية، حيث تعمل الدول على تأمين مصالحها الوطنية من خلال الشراكات ــ وليس المنافسات ــ والتجارة بحرية بين بعضها بعضا. والواقع أن الأسباب الوحيدة المتبقية للثقة بعد فوز ترمب هي أنه ربما لا يفعل في واقع الأمر أي شيء مما قال إنه يعتزم القيام به، مثل شن حرب تجارة ضد الصين، والانسحاب من التزامات الحلف، ودعم اليابان وكوريا الجنوبية في التحول إلى دولتين نوويتين.

 

ولأن ما يتمتع به من خبرة حقيقية في الشؤون الدولية قليل أو منعدم تماما، يعتمد ترمب على غرائزه المتباينة. فهو يجمع بين أول خطاب انعزالي أميركي والحديث العَضَلي حول "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وربما يكون اتخاذ مواقف شديدة التطرف ومن الممكن التخلي عنها بسهولة في المستقبل مناورة ناجحة في التفاوض على الصفقات العقارية؛ ولكنه ليس أساسا سليما لإدارة السياسة الخارجية.

 

ولعل غرائز ترمب الخطيرة يمكن كبح جماحها إذا تمكن من تجميع فريق من مستشاري السياسية الخارجية المتمرسين. ولكن هذا يظل مجرد احتمال، والدستور الأميركي يمنحه سُلطة شخصية استثنائية بوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة، إذا اختار ممارسة هذه السلطة.

 

الواقع أن قيادة الولايات المتحدة في آسيا أشبه بسيف ذي حدين. ومن الواضح أن المزاعم والتأكيدات الصاخبة بشأن التفوق هَدّامة ولن تؤدي إلا إلى نتائج عكسية. ولابد من الاعتراف بطلب الصين المشروع بقبولها كطرف مشارك في صنع القواعد وليس مجرد تابع ينفذ القواعد. ولكن عندما تسعى الصين إلى التوسع كما فعلت مع مطالباتها الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، فلابد من ردعها. وعلى هذه الجبهة، يظل الدور الأميركي الهادئ الحازم ضروريا وموضع ترحيب.

 

بعد فترة وجيزة من مغادرة الرئيس بل كلينتون للبيت الأبيض، سمعته يقول في حديث خاص لم يُعلَن قط إن الولايات المتحدة يمكنها أن تختار استخدام "قوتها الاقتصادية والعسكرية الضخمة والمنقطعة النظير لمحاولة فرض نفسها على قمة الكتلة العالمية إلى الأبد". ولكن الاختيار الأفضل ربما يكون "محاولة خلق عالَم حيث المعيشة مريحة، عندما لا نكون على قمة الكتلة العالمية". وتبدو هذه اللغة بغيضة في نظر أي شخص يتولى منصبا رفيعا في الولايات المتحدة، على الأقل علنا. ولكن هذا هو ما تريد آسيا أن تسمعه.

 

وفي نظر أستراليا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة، توضح هذه الانتخابات الرئاسية أننا لم نعد قادرين ــ على فرض أن هذا كان واردا من قبل ــ على اعتبار القيادة الأميركية الذكية أمرا من المسلمات. ويتعين علينا أن نبذل المزيد من الجهد لصالح أنفسنا وأن نعمل على تعزيز أواصر التعاون بيننا، في حين نقلل من اعتمادنا على الولايات المتحدة.

 

ولعل ترمب يحمل قدرا أكبر من التعاطف الغريزي مع أستراليا مقارنة بغيرها من الحلفاء. فنحن نعتبر من الحلفاء الذين يؤدون مستحقات التحالف، وخاصة بعد أن قاتلنا إلى جانب الولايات المتحدة في كل من حروبها الخارجية ــ في السراء والضراء ــ على مدار القرن الماضي. وباعتبارنا متعايشين في الأنجلوسفير، فنحن نقع ضمن منطقة الارتياح الثقافي بالنسبة لترمب. ولكن أستراليا لن تشعر بأي ارتياح إذا انحرفت الديناميكيات الإقليمية الأكبر عن المسار.

 

ينبغي لصناع السياسات الأستراليين وغيرهم في المنطقة أن يتمسكوا بشعار بسيط: المزيد من الاعتماد على الذات، المزيد من آسيا، والإقلال من الولايات المتحدة

ينبغي لنا أن نكون تعلمنا الآن أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة تتمتع بقدر أكبر كثيرا من المصداقية مقارنة بإدارة ترمب، قادرة تماما على ارتكاب أخطاء رهيبة، مثل الحرب في فيتنام والعراق. والآن لابد أن نكون مستعدين لأخطاء أميركية لا تقل سوءا ــ أو أسوأ كثيرا ــ عن أخطاء الماضي. وسوف يكون لزاما علينا أن نصدر أحكامنا بأنفسنا حول كيفية التعامل مع الأحداث، استنادا إلى مصالحنا الوطنية.

 

هذا لا يعني أن أستراليا لابد أن تنسحب من تحالفها مع الولايات المتحدة. ولكننا ينبغي لنا أن نكون أكثر تشككا في السياسات والتصرفات الأميركية مقارنة بالعقود الأخيرة. ولابد أن تصبح أستراليا أكثر استقلالا على مستوى الوعي الذاتي، وأن تعطي أولوية أعلى كثيرا لبناء علاقات تجارية وأمنية أقوى مع اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وبشكل خاص إندونيسيا، جارتنا القريبة الضخمة.

 

لا ينبغي لأحد أن يتنازل إذا اتجهت الصين نحو التوسع، وينبغي لأستراليا الآن، أكثر من أي وقت مضى، أن تعمل بشكل أوثق مع الجيران في آسيا لضمان عدم تمكين الصين من ذلك. ولكن يتعين علينا أن نعترف أيضا بشرعية طموحات القوة العظمى الجديدة في الصين، وأن نلتحم معها بلا مواجهة أو صِدام. سوف نستفيد جميعا من إطار أمني إقليمي مشترك يقوم على الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، وخاصة عندما نواجه تهديدات إقليمية مثل طموحات كوريا الشمالية النووية.

 

الآن لا نملك إلا الأمل في أن يبدد ترمب أسوأ مخاوفنا عندما يتولى منصبه فعليا. ولكن في الوقت نفسه، ينبغي لصناع السياسات الأستراليين وغيرهم في المنطقة أن يتمسكوا بشعار بسيط: المزيد من الاعتماد على الذات، المزيد من آسيا، والإقلال من الولايات المتحدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.