شعار قسم مدونات

مشكلتي مع عرفات

blogs - Yasser Arafat
11/11 من كل عام تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بصورة عرفات، من الناس من يعتبره شهيدا بطلا، وقائدا فذا ومقاوما بطلا، ومنهم من يعتبره خائنا للوطن، بائعا للقضية متاجرا بحقوق الشعب، و كسرا لقاعدة اذكروا محاسن موتاكم سأتكلم عن مشكلتي مع عرفات.

شخصيا أقسم حياة الرجل بناءً على تاريخ فارق هو أوسلو، فهناك عرفات ما قبل أوسلو، وهناك عرفات ما بعد أوسلو، ما قبل أوسلو كان الرجل كما كل رجال تلك المرحلة مقاوم شرس، وقائد متمرس، وخالق للمشاكل في كل بلدٍ يحط بها، يتميز بالشعارات الثورية وسحق كل من سيقف في وجه التحرير ناذرا حياته للقضية كما يعلن دوما.

مشكلتي مع عرفات أنه أراد أن يؤسس دولة ونسي أن الشعب الفلسطيني ومنذ 1936 لم يعد يهتم بأمر دولة أو حكومة

تنقل بين عدة دول ولم يأتِ لها بخير، الأردن حيث صنع أيلول الأسود، بيروت حيث دمّرها ورفاقه وغيرهم عن بكرة أبيها، تونس حيث انتقل هناك من مرحلة التخبيص العسكري إلى التخبيص والمراهقة السياسية، لم يكن عرفات رجل المرحلة قبل أوسلو، فبوجود شخصيات تفوقه ذكاء ودهاء كأبو جهاد، وأبو إياد وغيرهما، لم يكن سوى واجهة للعمل الوطني أو هكذا يتهيء لي ، ومع كل اللغط الذي يدور حوله في هذه المرحلة، لم تكن مشكلتي مع عرفات في هذه المرحلة.

بعد أوسلو انقسم الناس حول عرفات، فتحول بلمح البصر إلى صانع الانتصار، صاحب الرصاصة الأولى والتوقيع الأول، محقق الإنجاز وصانع الدولة الفلسطينية؛ هذا في نظر البعض، أما الآخرين فقد اعتبروا ذاك اليوم بداية النهاية، واعتبروا أن أبو عمار دخل في دوامة الخيانة، وباع الوطن والقضية، وهنا تبدأ مشكلتي مع عرفات.

أساس مشكلتي مع عرفات، ليس التوقيع على أوسلو، فلو ناظر أي خبير بالعلوم السياسية الواقع الفلسطيني، وما يمكن أن يتحقق؛ لوجد الاتفاق جيدا إلى حد بعيد، ولوجد أن عرفات أخذ تعريف السياسة على أنها فن الممكن وطبقه فوقع أوسلو.

لم يكن أمام عرفات خيار آخر؛ إما السلام عن طريق أوسلو وأوسلو فقط، أو البقاء في صراع دائم يستنزف الرجل وحركته ورجالاته. مشكلتي مع عرفات أنه أراد أن يؤسس دولة ونسي أن الشعب الفلسطيني ومنذ 1936 لم يعد يهتم بأمر دولة أو حكومة، وأن كل ما يريده هو تحرير أرضه. 

طائرة طار بها الرجل وحطَّ مصافحا لرابين عرّاب حرب الأيام الستة، وبينهما بيل كلينتون في الصورة الأشهر في تاريخ الرجل

نسي عرفات حين وقع أوسلو أن فلسطين من النهر إلى البحر، وأن حق العودة مقدس، نسي أغنية لطالما صفق لها بحرارة تقول "لا راية بيضا رفعنا يا بيروت، ولا طلعنا بهامة محنية"، نسي عرفات أن منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، يجب عليها أن تمثل شعب الشتات كما تمثل شعب الداخل، بجرة قلم من عرفات حُرم شعب الشتات من أرضي، بتوقيعه حُرم جدي من بيارته، وجدتي من باب الدار التي ما زالت تحتفظ بمفتاحه، هذه مشكلتي مع عرفات.

حوصر الرجل في مقاطعته في سنواته الأخيرة، ومنظر حصاره هو ما أعطى الرجل شعبية من جديد، فالشعوب العاطفية يستهويها منظر رجل مسجون يخرج على الفضائيات قائلا بأنه لن يتنازل، ربما قتل عرفات؛ فالجو حوله كان مُلبدا بالخيانة، لكن عرفات قبل أن يقتل بسنين عديدة قتل أحلام الملايين، لم يعد يؤمن الرجل بأن السلاح الذي طالما حمله هو الحل أو ربما فقد الثقة بأن شعبه ما زال قادرا على حمل السلاح، وهذه مشكلة أخرى من مشاكلي مع عرفات.

منظر الطائرة الرئاسية المغادرة إلى باريس لعلاج الرئيس، وتعليق البعض أن بطيران تلك الطائرة طار الوطن، مضحكٌ حد العته، لم يطر الوطن بطيران الطائرة تلك، بل بطيران طائرة أخرى، طائرة قد طارت قبلها بأعوام ولكن ليس إلى فرنسا بل إلى مدريد، طائرة طار بها الرجل وحطَّ مصافحا لرابين عرّاب حرب الأيام الستة، وبينهما بيل كلينتون في الصورة الأشهر في تاريخ الرجل.

مشكلتي مع عرفات يلخصها إدوارد سعيد: أن ياسر عرفات بتوقيعه لأوسلو حوّل منظمة التحرير الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.