شعار قسم مدونات

جواسيس جدعون العرب

blogs-جاسوسية

في كتابه "جواسيس جدعون- Gideon s Spies" يلخص جوردون توماس الحقيقة المخابراتية التالية "ما كان لإسرائيل أن تحقق انتصاراتها في المنطقة لولا تضامن زعماء العرب معها".

عندما نشر توماس كتابه كان صادماً للكثير من الباحثين، لأنهم نسوا وجود اتفاقية سايكس بيكو التي صنعت الخرائط الحالية للدول العربية.

حينها سيطرت بريطانيا على جزء كبير من النفوذ السياسي في المنطقة العربية والجزء الباقي سيطرت عليه فرنسا. ومن الواضح أنه بإسقاط بريطانيا للخلافة العثمانية وضعت بعد ذلك جواسيس مطيعين لها على رأس السلطة في أغلب الدول العربية لتنفيذ أجندة الاستعمار بالحرف.

في شرحه لمفهوم "القابلية للاستعمار" يشرح مالك بن نبي ما تعاني منه الأمة اليوم وهو ما يمكن تلخيصه بـ"الترحيب و الرضوخ التام للاستعمار" حيث زرع قبل أن يأتي في عقول الشعوب المستعمرة أنها "أقل" من المستعمر وتحتاج في وجودها للمستعمر.

اللعب على المكشوف
الرضوخ و الترحيب التام بالاستعمار كان موجودا في الأمة حتى قبل سنوات -عندما ظهر الربيع العربي- الذي أفرز على السطح المارد العربي النائم وهو جماعة الإخوان المسلمين. حينها أدرك جواسيس جدعون الإسرائيليين أن ما فعلوه بالإخوان كان ضربة من الضربات ولم يكن قتلاً لهم.

الموساد الإسرائيلي كان على علم بتاريخ الإخوان ومدى قوتهم في العالم الإسلامي منذ أول يوم للاحتلال الصهيوني

الموساد الإسرائيلي كان على علم بتاريخ الإخوان ومدى قوتهم في العالم الإسلامي منذ أول يوم للاحتلال الصهيوني للأراضي المقدسة؛ حيث أنهم كانوا ولا زالوا من أقوى من حارب الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المقدسة.

وشهد اليهودي جوردون توماس بسذاجة وصدق الإخوان حين قال في كتابه "في مصر اندلعت الثورة المصرية ضد الاستعمار البريطاني؛ وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928 قوة سياسية فعالة، وعندما خطط جمال عبدالناصر لانقلاب سنة 1952؛ نجح بفضل تأييدهم -أي الإخوان-. لكن سرعان ما رأى عبدالناصر أن تشدد الجماعة يشكل تهديداً فقام بحظر نشاطها".

التهديد الذي يقصده توماس ليس على نظام عبدالناصر بل على نظام الدولة الصهيونية المحتلة التي جاءت بعبدالناصر أصلا. ولكن سذاجة و طيبة الإخوان المسلمين جعلتهم يقفون معه بكل بسالة في انقلابه العسكري القبيح عام 1952. وتمت إعادة التجربة مرة أخرى عام 2012 عندما وثق الإخوان بالجيش المصري وعينوا رئيس مخابراته عبدالفتاح السيسي وزيراً للدفاع في حكومتهم.

بكل أخطائهم وسذاجتهم كان ولا زال الإخوان القوة الصلبة في الأمة وأساس وجدان الشعوب وتطلعاتها. وشخصياً أعتبر كل من يشكك في نزاهتهم جاسوسا إسرائيليا محتملا أو جاهلا أحمقا لا يفهم في الدين أو السياسة شيء.

بعد الانقلاب العسكري الفاشل على الإخوان في مصر -المدعوم خليجيا- بدأت إيران بتحويط دول الخليج من حدودها الجنوبية بأسلحة متطورة. فلجأ أهل الخليج للجماعة في اليمن وحزبهم هناك حزب الإصلاح اليمني، الذي يشكل أساس الجيش الوطني تحت أمرة عبدربه منصور هادي و كل ما يسمى بالمقاومة الشعبية في اليمن اليوم.

في نفس الوقت، لا بل في نفس اللحظة التي يقوم فيها الإخوان بحماية أراضي ومقدرات الدول الخليجية بأرواحهم و تقديم دماءهم رخيصة لحماية تلك الدول؛ يقوم إعلام الخليج -المسيطر عليه صهيونياً- بسب و شتم الإخوان صباح مساء. ولو تركوا سلاحهم في اليمن اليوم لما بقيت قناة واحدة تستطيع العمل في الخليج ولتم احتلال أراضي الخليج كلها من قبل إيران.

جواسيس جدعون العرب يسيطرون على الإعلام العربي بكل تفاصيله، بل ويتم تمجيد و مدح إيران و إسرائيل معاً فيه . وكأن دول الخليج لا تملك سيادة على قنواتها وصحفها. وفيما هذه الدول مهددة في ذات وجودها نفسه تجد إعلامها يقوده أقل البشر ديناً وسياسة، وكل ما يركزون على نشره هو تحرير المرأة و سب الإخوان.

في الوقت الذي تستعد إيران لاقتحام إراضي الخليج من الجهات الأربع -من الجنوب الحوثيين والشرق إيران؛ والشمال المليشيات الشيعية العراقية؛ ومن الغرب السيسي( وسيتم ذلك بعد الانتهاء من الموصل و حلب قريباً)- تجد كتاب الخليج لا يعرفون من السياسة شيئاً إلا سب الإخوان.

جواسيس جدعون العرب ليسوا فقط في الإعلام بل زرعتهم إسرائيل حول مراكز صنع القرار العربية والتركية؛ فمثلا رئيس أحد اللوبيات الخليجية في أمريكا يجيد أكثر ما يجيد شتم جماعة الإخوان المسلمين التي تحمي بلده من الاحتلال الإيراني؛ ولا يٌعرف له أي دور سياسي أو أكاديمي واضح.

ومن جواسيس جدعون في تركيا مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللذين شاركوا في الانقلاب العسكري الفاشل في 15 تموز الماضي وتم القبض عليهم. ومن المعروف الارتباط العميق بين فتح الله غولن و دولة الاحتلال الإسرائيلي ويهود الدونمة.

بمعنى آخر أن جواسيس جدعون مزرعون في كل مراكز التأثير والقرار في الشرق الأوسط؛ في الأعلام والسياسة وكل مفاصل الدول الشرق أوسطية بعلم أو بدون علم رؤساء تلك الدول.

ولم يبق من أسباب القوة في الأمة اليوم سوى ثلاث مراكز قوة وهي الإخوان و السعودية -التي لم تٌستعمر قط- و تركيا فقط. وقد هاجم أبوبكر البغدادي هؤلاء الثلاثة فقط دون غيرهم في آخر كلمة مسجلة له، لأنه جاسوس جدعوني إيراني يأخذ تعليماته من الحرس الثوري و الموساد الإسرائيلي ( راجع مقالي السابق: البغدادي إذ يفضح نفسه).

جواسيس جدعون العرب ليسوا فقط في الإعلام بل زرعتهم إسرائيل حول مراكز صنع القرار العربية والتركية

إيران و إسرائيل لم تعطي أبو بكر البغدادي هذه الأوامر اعتباطاً بل لديها مراكز بحوث و دراسات ومفكرين استراتيجيين يحللون أعمق التحاليل من أجل المصالح العليا لتلك الدول. ومن خلال بحثهم الحثيث عن ما تبقى من مراكز القوة الأخيرة في الأمة علموا أنه لم يتبقى فيها إلا هذه المراكز الثلاث؛ فوجه أبوبكر البغدادي كلابه الضالة لمحاربة تلك الثلاث مراكز للقوة في الأمة. هل طلب منهم محاربة إيران و إسرائيل ؛ لا بالطبع لأنه جاسوس لتلك الدول.

الآن و قد جاء دونالد ترامب للسلطة فلننتظر الأسوء لأنه يعشق أكثر ما يعشق إسرائيل، وسيكون العداء على المكشوف لهذه المراكز الثلاثة و سيخطط ترامب وأحبابه الإسرائيليون على إزالة مصادر القوة لهذه الثلاث مراكز؛ ومصدر قوتها هو توحدها مع بعضها؛ وسوف يقوم بتمزيق هذه الوحدة الإستراتيجية وإضعافها لكي تكون السعودية و تركيا فريستان للاستعمار.

قل عني مبالغا أيها العربي الأعمى ولكن ؛ عندما تصبح عاصمة بلدك تحت الاحتلال الإيراني مثلما هو الحال مع: بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد و المحمرة؛ حينها لن ينفعك الندم والتباكي على اللبن المسكوب.

لا نجاة بعد اليوم للأمة، إذا لم تتوحد مراكز القوة الثلاث فيها: السعودية؛ تركيا و الإخوان ولا بد من تطهير سياسات الإعلام وقياداته من جواسيس جدعون العرب في الخليج فهو السلطة الأولى اليوم، أما إذا لم نفعل ذلك فلننتظر الطوفان القادم و القريب جداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.