شعار قسم مدونات

ترامب.. الرجل المُتشرنق

Republican presidential nominee Donald Trump speaks at a campaign event in Cedar Rapids, Iowa, U.S. October 28, 2016. REUTERS/Carlo Allegri TPX IMAGES OF THE DAY
"في الحقيقة، كان لدى السيد بيليكوف حاجة مستمرة ملحة تستبد به دائما وتدفعه إلى التقوقع والحاجة إلى الحماية الدائمة لاستحداث حالة خاصة به تعزله وتحميه من المؤثرات الخارجية. فقد كان الواقع يقض مضجعه، كان يخيفه ويجعله دائما في حالة ارتياب وذعر"
تشيخوف (الرجل المُتشرنق)

لا يختلف ترامب كثيرا عن بيليكوف بطل قصة تشيخوف، ذلك الرجل الرعديد الجبان الذي يفضل الانطواء على الانفتاح والتشرنق على التفاعل والتقوقع على التآثر. ترامب رجل خائف يخشى كما يخشى ملايين الأمريكيين الانطوائيين من "الآخر". كما يخشى الإفلاس والمخدرات والعصابات والمسلمين. حيث يعبر ترامب عن خوفه من خلال ردود أفعال لاعقلانية تنم عن تبجح ظاهر لكنه خاو يخفي في جنباته ضعفا في الإيمان وحمائية في السلوك.

ارتطمت حسابات هيلاري كلينتون واستطلاعات الرأي بجدار ترامب الذي لم يبنيه بعد وفاز الرجل أخيراً. ويا له من فوز ماحق حارق خارق متفجر صاعق في نظر كثيرين. لكنه لم يكن صاعقا البتة بالنسبة لي. فقد توقعت فوزه منذ فترة وتحدثت في ذلك مع الزملاء. فترامب رجل المرحلة في عيون كثير من الأمريكيين الذين ضاقوا ذرعا بسياسة واشنطن والعولمة والتوجهات الليبيرالية والانفتاح. إنه تعبير عن الشعبوية الغاضبة.

أما دوافع ترامب والسبب المباشر لفوزه فيكمن في اعتقادي في الخوف الذي يختلج صدره. ألا ترون أن ترامب أراد ويريد أن يلغي جميع إنجازات سلفه؟ فهو عازم على إلغاء برنامج التأمين الصحي (أوباما كير) وشراكة عبر الباسيفيك واتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية (النافتا). ترامب إنسان خائف يرتعد من ظل الآخرين. ولا يريد مواجهة الحقيقة كما لا يريد التواصل مع الآخرين سيما تجاريا، ويرجح أنه يعاني من رهاب الأماكن المفتوحة فيبني عمارات شاهقة ليواري سوءته تحت سقف الإسمنت ويكن العداء لمن يخالفه في اللون أو التوجه أو الجنسية أو العقيدة أو العرق. يريد الرئيس المنتخب (أو بالأحرى المنتحب) أن يبني جدارا على طول الحدود الجنوبية مع المكسيك، يا لها من فكرة مجنونة، ويريد أن يؤسس لمنطقة عازلة في سوريا بتمويل خليجي. أليست فكرة معزولة السياق صعبة التحقيق؟

أتمنى أن تكون ظاهرة ترامب سحابة صيف عابرة لا تلبث أن تتبدد ليعود الرجل إلى رشده من خلال اعتماده على مستشارين يؤمنون بالمنطق واحترام الآخر

ترامب ترتعد فرائصه لدى سماعه كلمة مهاجر سيما إذا كان الأخير سوريا أو مسلما. فترامب لا شك أنه يرى بعض ما يتمخض عن الحرب الدائرة في سوريا من صور قتل ودمار ومآسي وعنف ويعتقد أن السوريين تمرسوا عليها. وبما أن لون بشرتهم يختلف عن لون بشرته فهم بالنسبة له إرهابيون شأنهم شأن المكسيكيين الذين يصفهم بالمغتصبين والصينيين الذين يعتبرهم لصوصا.. ترامب أعلن الحرب الكلامية على الجميع لأنه يخشى الجميع، فعقدة النقص لديه تفضي إلى كره الآخر.

أنا على يقين أنه لم يقرأ كتابا مترجما من ثقافة أخرى إطلاقا. وهو تاجر يعنى بالصفقات، رجل أعمال لم يصل إلى سن الرشد ولم يؤتى الحكمة من خلال قراءاته أو تجاربه إطلاقا. أما عن حياته الخاصة فحدث ولا حرج، فترامب يكره النساء ويستخدمهن كبضاعة للعرض، وسوابقه في مسابقات انتخاب ملكات الجمال تشي بذلك. أما عن افلاسه أربع مرات فمصداق لتلاعبه على النظام وعدم رغبته في دفع الضرائب.

دونالد ترامب ربما سيغير من آرائه رويدا رويدا، لكنه سيفشل في كثير من الاختبارات وسيخسر كثيرا من الصفقات. فالايدولوجيا في نظره لا تلعب دورا كبيرا بل ينظر إلى الأمور من منظور الربح والخسارة، ولا يرى بوتين على سبيل المثال رجلا متسلطا استخباراتيا يريد إعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي بل ينظر إليه كرجل أعمال قوي يمكن إبرام صفقات معه ليجلب بعض المال إلى أمريكا لتنعم بدفئها.

ترامب باختصار ذو آراء محلية وإنجازاته ستكون محلية وربما لن يأبه على الإطلاق بما يدور وراء جدار عزلته. فهل ستؤدي انعزاليته إلى بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية ؟ خصوصاً أنه مولع بالدَّيْن والإفلاس. وهل ستتحلى الصين مثلا بالشجاعة يوما ما لتطالب أمريكا بما اقترضته منها على مدى العقود الغابرة؟ هل ستعتمد روسيا أو إيران أو دول الخليج على سلة عملات عوضا عن الاعتماد الكلي على الدولار؟ هل ستعلن أمريكا إفلاسها؟ هل سنشهد حروبا شعواء في النصف الغربي من الكرة الأرضية؟

أتمنى أن تكون ظاهرة ترامب سحابة صيف عابرة لا تلبث أن تتبدد ليعود الرجل إلى رشده من خلال اعتماده على مستشارين يؤمنون بالمنطق واحترام الآخر والانفتاح والحريات وحقوق الإنسان الأساسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.