شعار قسم مدونات

ترامبولين

blogs - trump

لا زلت مقتنعاً أن الرئيس الأمريكي سواء كان جمهورياً أم ديموقراطياً فإنه يتبع سياسة مرسومة رفعت عنها الأقلام وجفت صحفها منذ زمن طويل، ولكن النقطة هي في الصبغة التي ستكون عليها، أهي زرقاء فاقع لونها أم حمراء بلون الدم.

لا يعدو أن يكون ترامب رجل مضاربات وتاجراً لا يوجد في قاموس حياته الا الربح والخسارة على عكس منافسته فهو لم يخض أي تجربة سياسية من قبل، ويبدو أنه من الرؤساء اللذين ستصنع زعامتهم في كواليس البيت الأبيض، وسيغدو طفلاً موجهاً بأسلوب أفكاره العنصرية التي سيتحف العالم بها.
 

لا يعدو أن يكون ترامب رجل مضاربات وتاجراً لا يوجد في قاموس حياته الا الربح والخسارة

ويبدو أن ترامب الطفل سوف يلهو بمصائر الكثيرين في العالم، فالمكسيك تشد صخرة على بطنها ودول أوروبا تزدرد ريقها والشرق الأوسط شاحب اللون من الصدمة، فهو الذي سينال النصيب الأكبر من لهيب الموقد، والصين تعض على أصابعها، ناهيك عن الأقليات الأمريكية التي توعدها ترامب والتي جلدها بسياط لسانه اللاذع.

تصور معي – يرعاك الله – كل يوم من السنين الأربع العجاف القادمة، لا تتردد في التفكير الحر، أطلق العنان .. نعم! استرجع الفترات السابقة للجمهوريين وما فعلوه بالعالم، فما بالك لو كان جمهورياً عديم السياسة يتلحف بغرور سلطوي وكأن العالم كتب عليه أن يعيش فترة "هتلرية" جديدة، فالمذكور أعلاه يتميز بضيق الأفق وطول الشعر وقصر النظر والأنانية المجحفة وأيضاً برائحة كلامه النتنة التي تخلو من المسؤولية والدبلوماسية أو حتى اللباقة.

وكوني أعمل مترجماً أود ان أوضح – يرعاك الله – معنى كلمة "ترامب" في اللغة الإنجليزية على مبدأ (اسم على مسمى) فهي تعني الورقة الرابحة! ولكن السؤال هنا هي ورقة رابحة لمن؟ أظن ان منظمة "الآيباك" يمكن أن تجيب عن هذا السؤال.

فلا أعتقد أن فوز ترامب كان مرهوناً بشيء أكثر من كونه داعماً قوياً لهذه المنظمة، والتي وللمرة الأولى يعمل فيها عقل ترامب ليسخر المجتمع اليهودي في أمريكا لصالحه، رغم أنني مقتنع أنها من تدابير كواليس خفية "لا يعلمها الا الله"، يجب أن أشير أيضاً إلى أن كلمة ترامب تعني في بعض الأحيان "مغير اللعبة"، فأي فوضى عارمة ستعم الشرق الأوسط مع توقع حرب جديدة؟

فالنهج الديموقراطي الهادئ لا يعجب الجمهوريين في التدمير، يجب أن يكون هناك صخب في الأجواء، وصراخ إعلامي وعودة صريحة لتجارة الحروب، والتي سيبرع فيها دونالد الذي أحب أن أناديه بترامبولين لأن العالم لن يقفز فقط بل سيرقص على صفيح ملتهب من الأزمات.

من المقبول أن يتحول العالم الى متجر كبير، يبيع فيه ترامب حريات بأسعار باهظة، بل سيكون الأمن والأمان هو السلعة التي سيحتكرها ترامب في جعبته لتصبح أمنية لشعوب العالم، ولعلها فرصة ذهبية للترويج لتجارة جديدة "تجارة السلام"، أو ستعمل بطريقة تأجير منتهي بالتملك.

أربعة سنين سنرى فيها بلاد العجائب وسنتعرف خلالها على مدى عمق جحر الأرنب

وإذا تأخر المشتري في الدفع يعود ليستولي عليه دون أي مقابل، يبدو أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة مالية بامتياز "ادفع تنجو". و أحيطك علماً -يرعاك الله – أن لترامب شخصية انفعالية تتعدى كونها عنصرية، فيجب على كل من ينوي إقامة علاقات تعاون مع الولايات المتحدة من الآن وصاعداً أن يدرس حتى كلمة الترحيب التي سيلقيها أمامه، وأن يراجع كلماته وخطاباته قبل النوم ويحفظها جيداً ويدعو بدعاء "الله يستر" قبل رؤية وجهه.

أما بالنسبة الى منطقة الشرق الأوسط تحديدا -التي أصبحت فطيرة لا تمر فترة الا وتراها قد انقسمت- فأخاطبها بأعلى ما لدي من ضمير عربي أننا وفي المرحلة القادمة سنكون وحيدين، لا مخرج لنا الا بالاعتماد على الذات والالتفاف على الأقل داخليا لصد أي أذىً، نفعل كما يفعل ترامب مجازياً، نهتم بالداخل وتنمية الشعوب لتكون هي رأس المال الذي سيكون نجاةَ من ضغوطات أو مؤامرات، يجب العمل باستقلالية تامة، فلا أحد يأبه الآن بما سيحصل في الشرق الأوسط، ليس بعد هذا الدمار دمار.

وعلى المستوى الداخلي الأمريكي، فإنني شخصياً لا أستبعد نتاجاً سيئاً لممارسات ترامب اللاأخلاقية تجاه شعبه في المرحلة القادمة، واندلاع احتجاجات عرقية تطالب بالنجاة من جلادي ترامب الذي سيسلط الأقلية العنصرية التي تقف ورائه لإيذاء شرائح معينة في المجتمع الأمريكي.

ولكن من المعروف أن الشعب الأمريكي شعب مرهف وعقلاني وشفاف، يمكن للسكان الأصليين أن يتعاطفوا بشدة مع جيرانهم أو زملائهم من الجنسيات أو العرقيات أو الديانات الأخرى.

على كل حال نحن على موعد مع أربعة سنين عجاف ستأكل الأخضر واليابس بالنسبة الى أرض الواقع، أربع سنوات من نشاط إعلامي غير مسبوق، أربع سنوات سيتشرد فيها الآلاف وربما الملايين، أربعة سنين سنرى فيها – يرعاك الله – بلاد العجائب وسنتعرف خلالها على مدى عمق جحر الأرنب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.