شعار قسم مدونات

أمريكا بين الثعلب والذئب

blog-ترمب -كلنتون

طلب مني البعض التعليق على الانتخابات الأمريكية ورأيي في فوز ترامب مع أني لم أكن أرغب في ذلك لسبب واحد؛ أنه لم يكن لدي شغف متابعة تلك الانتخابات سوى للحصول على متعة المشاهدة وأمور أخرى استهوتني بعيدة عن السياسة، إضافة إلى يقيني التام بأنَّ مَن يصل إلى البيت الأبيض سيكون رهين قيوده الخفية التي لا نراها.

ومنصب رئاسة الولايات المتحدة هو منصب عبودية محكوم بمؤسسات الدولة، فلو جاء مَن جاء إليه لن يُحدث أي فرق على الإطلاق والتاريخ – الأستاذ العظيم – خير شاهد على ذلك.

تعامل العرب مع هيلاري (الثعلب) ذات اللسان المعسول سيزيد من نومهم، بينما التعامل مع ترامب (الذئب) ذو اللسان السليط سيضطرهم إلى الإستيقاظ

و أحببت أن ألفت الأنظار لحقائق قد تكون غابت عن البعض سأذكرها في نقاط متتالية:
1) منذ أول مناظرة بين هيلاري وترامب قمت ببعض التغريدات على الفيسبوك والتويتر كان ميلي واضحاً إلى ترامب
2) كانت المناظرة الأولى حول الاقتصاد تدور فعلياً بين رائد أعمال وموظفة، الأمر الذي جعلني أتذكر كتاب "الأب الغني الأب الفقير – Rich Dad Poor Dad" الذي يحاول مؤلفه تعليم الناس الحرية المالية من خلال ترك عبودية الوظيفة والإنتقال إلى حرية الاستثمار، وهذا تفوق كبير لترامب على هيلاري في قدراته القيادية لا يمكن تجاهله.

3) خلال المناظرة لم يقرأ ترامب كلمة واحدة من أي ورقة، في الوقت الذي كانت تقرأ هيلاري من الورق أمامها بمعدل ٥٠٪ وهذا ضعف كبير في قدراتها القيادية.
4) هيلاري عجوز وليست أهلاً للقيادة، وصدق ترامب حين قال عنها أنه ليس لديها ما يكفي من الجَلَد (Stamina) لقيادة أمريكا والعالم، وما حدث لحظة خسارتها أثبت صحة ذلك، فهي لم تقوى حتى على توجيه كلمة لمناصريها وخرج مدير حملتها ليخاطبهم بدلاً عنها.

5) لم أفهم لماذا يخشى العرب من ترامب ويتأملون الخير في هيلاري؟ وأنا لا أقصد عوام الناس بل المفكرين والمحللين الذين – من المفترض – أنَّ لهم باعاً في السياسة، ولا تخفى عليهم ثقافة الحكم في أمريكا.
6) لا أعتقد أنَّ مفكري العرب ومحلليهم لم ينتبهوا إلى أنَّ فترة حكم أوباما كانت الأسوأ على العالم العربي على الإطلاق، وهيلاري لن تحيد عن ذلك النهج.

7) مشكلة العرب أنهم مازالوا يحلمون بأنَّ الغرب سيحل معضلاتهم الداخلية والإقليمية التي ورَّطوا أنفسهم فيها، وكأنهم يطلبون حلاً من الشيطان  والأخير لا يقدم حلاً أبداً، والسياسة الأمريكية الدولية لم ولن تأتي بتلك الحلول التي تتعارض مع مصالحها الإمبراطورية.
8) في اعتقادي أنَّ المثالية تقود الناس إلى الفشل والواقعية تقودهم إلى النجاح، والعرب يعشقون المثالية ويكرهون الواقعية، وهيلاري كانت الخيار المثالي لهم وترامب كان الخيار الواقعي.

9) في هذا العالم لا يمكنك أن تنجح وأنت مثالي، ومَن يُضطر إلى ذلك سيحتاج إلى أن يتحول إلى ثعلب وهذا كان خيار هيلاري، بينما يمكنك تحصيل النجاح وأنت واقعي، لكنك ستضطر وقتها أن تتحوَّل إلى ذئب من شدة صراحتك وهذا كان خيار ترامب.
10) خيارات العرب بين هيلاري (الثعلب) وترامب (الذئب) هي كخيارت الموت حرقاً أو شنقاً، خياران أحلاهما مُر ونهايته خراب وشر.

11) عندما تابعت ردود فعل الشارع العربي، وجدت أهمها يتمحور حول مخاوفهم من ترامب الذي سيعمل على إفلاسهم ونهب أموالهم لأنه صرَّح خلال حملته الانتخابية أنه سيجعل دول الخليج تدفع فاتورة الحرب، وفي اعتقادي أنَّ هذا ليس سبباً وجيهاً لكره ترامب أو الخوف منه، لماذا؟

12) العرب هم دائماً مَن يدفع الفواتير، وأمريكا لا تدفع شيئاً على الإطلاق إلاَّ إذا كان هناك عائد ربحي، وأتساءل إن كانوا سمعوا الديمقراطي جون كيري خلال إحدى جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي عندما صرَّح بأنَّ العرب سيدفعون فاتورة الحرب في سوريا.

13) عندما تم إقرار قانون جاستا الذي سيعمل على إفلاس العرب ونهب أموالهم، لم يكن ذلك خلال فترة حكم ترامب الجمهوري، حتى لو ظهر أمامنا أنَّ أوباما الديمقراطي كان ضد القانون، ففي النهاية هي لعبة بين الثعلب والذئب، والعرب هم الضحية.

14) تعامل العرب مع هيلاري (الثعلب) ذات اللسان المعسول سيزيد من نومهم، بينما التعامل مع ترامب (الذئب) ذو اللسان السليط سيضطرهم إلى الإستيقاظ.

العرب في القرن الواحد والعشرين لم يدركوا بعد قوانين اللعبة الانتخابية الأمريكية، ربما بسبب الديكتاتورية التي استشرت في خلايا عقولهم، فقد كانوا يثورون لأي كلمة يتفوَّه بها ترامب، ولم ينتبهوا أنه كان يغير كلامه حسب المكان والزمان الذي كان يحشد فيه الأصوات.
 

فالمواطن الأمريكي لا يختار من ينتخبه، إنما يصوَّت للمَجمَع الإنتخابي الذي يختار مُرشَّحي الرئاسة نيابة عنه

16) عندما إنتهت الإنتخابات بفوز ترامب، إنهالت شتائم العرب على الشعب الأمريكي لأنه اختاره، وكأن الشعب الأمريكي يكترث لأي قضية خارج حدوده، والجهل في فهم ثقافته وحجم التحديات التي تعصف به خلقت هذا الإنطباع الخاطئ عن إجتياجات المواطن الأمريكي الحقيقية الذي يبحث عن التغيير الذي وعد به أوباما ولم يأتي.

17) ما لا يعلمه العرب أنَّ الديمقراطية السياسية في العالم الغربي عموماً وأمريكا خصوصاً مقيدة بالسلال، فالمواطن الأمريكي لا يختار من ينتخبه، إنما يصوَّت للمَجمَع الإنتخابي الذي يختار مُرشَّحي الرئاسة نيابة عنه. يمكن مشاهدة هذه المادة والتي تشرح بطريقة سهلة عملية الإنتخاب في أمريكا.

18) عندما تفهم طريقة الإنتخاب في أمريكا، ستقدِّر وقتها طريقة الإنتخاب القديمة عند العرب في إختيار ولاة أمورهم (أهل الحل والعقد).
19) في تقديري لو فازت هيلاري لن يتغير شيء في السياسية الأمريكية بل قد تسوء، بينما بفوز ترامب هناك إحتمالان: إما أن تزدهر أمريكا أو تنهار.

 ختاماً، قد يُثبت التاريخ يوماً ما -ليس ببعيد- أنَّ ترامب (الذئب) كان أفضل للعرب من هيلاري (الثعلب) بكثير لو تعلموا فنَّ السياسية وإدارة المصالح كما كان أجدادهم يتقنونه منذ مئات السنين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.