شعار قسم مدونات

حرب الفكر اضطهاد أم تطهير؟

blogs - war

عندما نرى القصف العشوائي لثكنات الإرهاب حول العالم لا نجدها قد قبلت القسمة على اثنين بل كان المقصوف واحدا والنعوش أفردت للكثيرين، ليس الإرهاب من كان مقصودا إنما إبادة عرقية أساسها الحرب العقائدية. العقيدة التي ترشح بها سلوكيات وتنتهج بالفطرة نمطا فكريا يقره القلب.
 

هل تكون أبسط: الحرب الفكرية أم حرب السلاح؟ وما هي الحرب ضد الإرهاب إلا حربا فاشلة، لأنها تواجه عدوا مجهولا أو افتراضيا لا تعرف عنه سوى حقائق تتلوها هي في كتابه. فما الحل؟ الحرب تحتم المواجهة ووضوح الهدف وعندما يكون الهدف واضحا تتم العمليات التعبوية بسهولة ولكنها تحتاج لأيام معدودة من الكر والفر.
 

من هم في التيه، ومن يبتلعهم البحر، ومن تقصمهم الأمواج، هم من يعرفون جيدا تعريف اللعبة "القذرة" ولكنهم لن يفلحوا بنشرها لأنهم قد قضوا.

وقد بنيت حضارات وأفنيت بفن التكتيك العسكري، ولكنك عندما تقاتل فكرا فأنت أمام إرهاصات نفسية داخلية لا تظهر للعيان بالضرورة؛ بل قد تصنف بخلية نائمة لفترات طويلة من الزمن، فكيف نقاتل عدوا محل تفكيره لم يبارح جسده؟ مهما قاوم مهما استبسل سيجثو أمامك؟!
 

الحرب بالقلب هي حرب الفكر
عندما تستطيع أن تتلاعب بالمشاعر تجاه حقيقة ما يجب أن تفلها من نفسها لتنهي وجودها بنفسها دون أي جهد منك، هذه حقيقة محاربة الفكر الإسلامي، حرب فكرية سيطرت فيها الشيوعية والماركسية واللينينية على معسكرات شرقية كان من أولوياتها القضاء على الفكر الإسلامي وجعله فكرا متزمتا متطرفا. وعلى مر العصور كان الفكر الإسلامي هو الفكر المعادي للأفكار الشيوعية واللينينية والماركسية والتي لم يطل مقامها حتى أثبت بعد قرون من امتدادها بأنها الأكثر فشلا.
 

وقد تتابعت الحروب بين العلمانية فيما بعد والعقائدية، وما التطهير العرقي إلا خير وسيلة ليسيطر أي معسكر على الأرض لأن النهاية لا يكتبها إلا المنتصر، الدين هو حاجة قبل أن يكون عقيدة، هو انتماء روحي لما يكفل الراحة النفسية وخلق التوازن بين جميع القوى الموجودة في الجسد، إنها الجزء المفقود لحل الأحجية في اختلال التوازن العالمي، ولكن فن المونتاج والدوبلاج كفيل في أن يغير الصورة الدينية لدى الشعوب، وليست بالأمر الصعب وقد تقضي بالقضاء على آلاف من الضحايا في سبيل القضية قضيتهم هم صناع القرار، كلمة صغيرة تجزم بأن يتغير وجه التاريخ للبشرية على الإطلاق.
 

وأول خطوات التزعزع العقائدي هو قنص محلها القلب، العنف العنف ولا مزيدا إلا منه، عندما يطلب المريض شفاء أحد أعضاءه بعد إصابته بالغرغرينا يكون الترياق هو البتر لا محالة، الترياق هو يعرفه ، وهي حتمية السياسات العالمية. ترياق للحياة يحمله إرهابي القلوب ولكن منتحلا صورة المحرر. ويأتي مطهرا حاملا ليس مبضعا، وحسب كل الأسلحة المحرمة ليبقى التمدد الإرهابي لكليهما وسيلة لإدامة منفعتهما معا "محرر قذر" و"إرهابي عميل زنديق مرتزق" والضحية هم الأبرياء، واللعبة ستستمر ولن تنتهي أبدا لأنه ببساطة لا يوجد "GAME OVER".
 

ومن هم في التيه، ومن يبتلعهم البحر، ومن تقصمهم الأمواج، هم من يعرفون جيدا تعريف اللعبة "القذرة" ولكنهم لن يفلحوا بنشرها لأنهم قد قضوا، فالفرص لا تأتي مرتين، وتريد أن تبقى عاما في التاريخ؟ فقد عرفت الحقيقة كاملة عارية تماما بكل ألوان الحياة فيها، وقد تيقنت من مواعيدها الغرامية وطبعت صورة أرشيفية في رأسك عن ممارستها الشهوانية وعادتها السرية، ولكن بطعم آخر هو طعم ذو رائحة منفرة وطعم لاذع "طعم الموت".
 

و تقف عن الكلام عاجزا وقد جفت الدواة. الإيمان الصادق مهما بلغت درجات التعذيب والوعيد مهما أحسن نساجو الغدر نسجه فهي الطريق للأجيال بعيدا عن طاعون التطرف، كلمة الله أن جعل الطريق واضحا والسبل بينة يعيها القلب البصير والعقل المتنور بأطراف تتحاور بتنوع فكري. فالمنطق يوجد التباين ليخلق منه تفردا ما أو ازدواجية فحرب الفكر لا يمكن أن تقابلها أساطيل من بوارج حربية وبراميل متفجرة لأن الفكر ببساطة يعيش بين خلجات الروح ومستقره القلب والعقل ناقوسه.

رواية الحياة أبسط بكثير، لا تأخذ وقتا طويلا في اختيار البداية ولا تتعجل في النهاية أحداثها دوما تأتي على عجالة بحيث لا يستطيع شخوصها حفظ أدوارهم.

فلنحاور الجيل لنوقظ فيه السلاح المختمر بين أضلعه، سلاح اليقظة وعصر التنوير، مستقيا نهجه من القرآن والسنة بل وقد زاد عليه علما وتاريخا وبحثا ومجادلة بعيدا عن العنف الديني وحقيقة "لا إكراه في الدين"، وحرية المعتقد والنقاش، وقبول الآخر والحوارية العقلانية. وفي مناخ من الشحناء والسلبية وبراكين من عدم الثقة والتكفير تكون لعبة الزيف وتوجيه السلوك والتسليم لأعداء الدين، ليكون مبدأ النقاش العقائدي أنه لا حرب بين العقائد حيث لا خلاف على جوهرها، والتصالح مع الذات وتخليصها من حالة الفوضى والصراع بين الرفض والقبول.
 

ومن ثم القدرة على مجابهة التغول الفكري وما علا من الأصوات النشاز وتبقى حقيقة أليس الله الذي تؤمن به يقول "لا أكراه في الدين"؟ لكننا ابتلينا بقوم يظنون أنهم على حق كما قال ابن سينا وهي قصة الصفر في العربية، نقطة يتوقف عندها كل شيء ويبدأ منها كل شيء وهي الخط الفاصل بين الأسفل والأعلى بين البرزخ وجهنم أو الجنة، هي المشجب الذي لا يرتدي وقت انطلاقه سوى ثيابا نظيفة وحين الهزيمة لا يقبل سوى أن يبقى خاليا لا يلوي على شيء، بالانجليزية هو دائرة كاملة عندما تظن نفسك انتهيت بدأت من جديد من حيث انطلقت أو انتهيت هي متاهة الدائرة أو الحلقة المفرغة.
 

ترى أي منهما احتال على الآخر وجعلتانا في معمعة اسمها الصفر أو الحلقة المفرغة هم أم نحن؟ فلما لا تسودنا مشاعر العطاء والتراحم والألفة والود، رقيقة تلك المشاعر التي تنتابنا عندما نمد أيدينا إلى الآخر، تلك الدغدغة التي تبدأ من رقرقة في العينين وحشرجة في الحنجرة عندما يبتلع الكلام فلا تستطيع أن تتيقن من مخارج الحروف ثم تجتاح جسدنا تلك القشعريرة التي بالكاد نستطيع نسيانها عندما نطحن في مطحنة الحياة وصعوبتها.
 

قد نحتار في بداية رواية ما، لا نستطيع اختيار بدايتها فعجلة الكلمات تتصارع وتتناحر فيما بينها ليسقط قتيلا أشدها إيلاما وتأثيرا، ولكن رواية الحياة أبسط بكثير، لا تأخذ وقتا طويلا في اختيار البداية ولا تتعجل في النهاية أحداثها دوما تأتي على عجالة بحيث لا يستطيع شخوصها حفظ أدوارهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.