شعار قسم مدونات

بين نكبتي فلسطين وسورية.. التعليم طوق نجاة

blogs - refugee
لم يسعف شيئا ضحايا نكبة فلسطين كما أسعفهم شغفهم بالتعليم ونبوغهم فيه. ففي أعقاب النكبة عام 1948 أدرك اللاجئون الفلسطينيون أن الباب الوحيد الذي بقي مفتوحاً أمامهم للولوج إلى حياة كريمة؛ هو باب التعليم.

وأهم من ذلك إبقاء قضيتهم مفتوحة وأملهم بالعودة حياً هو باب تحصيل العلم. وسيذكر التاريخ بإعجاب كيف حصل توافق استثنائي بين كل أطياف الشعب الفلسطيني بمختلف طبقاته ومكوناته على اعتبار التعليم، وسيلتهم الأسمى لخدمة قضيتهم.

لا يجوز أن يحرم طفل سوري واحد أو طفلة سورية واحدة من حق التعليم، ولا يجوز أن يحرم مبدع أو مبدعة من الوصول بالتفوق ولإبداع إلى منتهاه.

كما سيشهد التاريخ كيف ضحت جل الأسر الفلسطينية فقدمت العلم على الغذاء والكساء وفي ذات السياق تسابق المتعلمون والمقتدرون على مد العون وبذل المال لتمكين كل أطفال فلسطين من الالتحاق بالتعليم والنبوغ فيه، ولم تمض بضع سنين بعد النكبة حتى بدأ الشعب الفلسطيني بقطف ثمار كفاحه وتضحياته.

واعتباراً من أواخر خمسينيات القرن الماضي وستينياته أصبحت العقول الفلسطينية ويدها العاملة الأكثر مهارة وكفاءة ومهنية في العالم العربي، وغدت إسهاماتها الأهم والأشد تأثيراً في النهضة التي شهدتها دول عربية استقر اللاجئون فيها.

أما الثروة الجمعية التي جناها متعلمو ومهنيو فلسطين فقد شكلت ركناً اساسياً استند اليه أهلهم في صمودهم على أرضهم في الضفة والقطاع وداخل الخط الأخضر، وكذلك في إحباط مخططات عدوهم الرامية الى طمس هويتهم وقتل امل العودة في وجدانهم. الطريق لاستعادة الحق الفلسطيني لا زال طويلاً وشائكاً، لكن من المؤكد أن العلم سيظل أحد أهم الروافع التي ستعين الفلسطينيين على إكمال مسيرتهم الطويلة.

واليوم يواجه السوريون نكبة كبرى لعلها تفوق نكبة فلسطين أضعافاً من حيث الحجم وأعداد الضحايا؛ إلا أنها تتشابه معها إلى حد بعيد من حيث مآلتاها وآثارها القريبة والبعيدة.

فبالإضافة إلى الأعداد الهائلة من القتلى والمهجرين؛ بات كيان الدولة السورية مهدداً بمؤامرات التقسيم وباتت هويتها العربية والإسلامية السنية مهددة بمؤامرات التغيير الديموغرافي وأكاذيب أساطير التاريخ.

لن يكون هنالك أمل قبل أن يحتل مفهوم الاستثمار والبذل من أجل التعليم مكانة سامية في وجدان الأغلبية الساحقة من السوريين.

واقع مؤلم يحتم على السوريين كما فعل من قبل لإخوتهم الفلسطينيين أن يرفعوا خيار العلم، ليكون أولوية قصوى في كفاحهم من أجل الحرية والحفاظ على الوطن والهوية.

لا يجوز أن يحرم طفل سوري واحد أو طفلة سورية واحدة من حق التعليم، ولا يجوز أن يحرم مبدع أو مبدعة من الوصول بالتفوق ولإبداع إلى منتهاه.

الملايين من أطفال سورية اليوم خارج منظومة التعليم، بقصد ومن دون قصد، وإننا نتجه بالقسم الأكبر من اللوم والمسؤولية على المجتمع الدولي، ناسين أو متناسين أن تخاذله وربما تآمره هو من أوصل المأساة في سورية إلى ما وصلت إليه.

صحيح أن حجم التحدي يفوق إمكانيات الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني السورية، إلا أن الصحيح أيضاً أن المسؤولية سورية بالدرجة الأولى، وعليه فإن النخبة والمقتدرون مطالبون بأن يقودوا الرأي العام، وأن يكونوا القدوة في المقدمة بذلاً وعطاءً وتضحيةً. لن يكون هنالك أمل قبل أن يحتل مفهوم الاستثمار والبذل من أجل التعليم مكانة سامية في وجدان الأغلبية الساحقة من السوريين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.