شعار قسم مدونات

أنت تقلق أيضا؟

blogs - human

في صغري كان أبي يمسك يداي الصغيرتين فيقول: يداك تتعرّقان كثيرا هل تفكّرين كثيرا؟ فأقول له مازحة: طبعا أفكّر!

وإذا كنت مثلي، من أولئك الذين يفكرون كثيرا، ويشحب وجهك عندما تتذكر مهمة بسيطة عليك عملها في الغد كأن تجيب الهاتف، أو أن تذهب لمقابلة عمل أو أن تقوم بشيء خارج الروتين فيقودك خارج حدود الحماس.

"أنت على الأرض، لا علاج لذلك". والحياة ليست مثالية فهنالك الكثير من المشاكل التي قد تواجهك في يومك.

إذا كنت لا تنام طوال الليل وتنقبض معدتك على نفسها ويجفّ فمك، ويرتجف قلبك حين تفكّر بإنجازات لم تحققها وبالأشياء المنسيّة في مؤخرة الرأس فهذا هو القلق الحالة التي  بها بان كي مون وذلك بحكم منصبه السياسيّ (الأمين العام للأمم المتحدة) الذي يحتّم عليه أن يتابع السّيئات والحروب و المجاعات في العالم، وهو سبب معقول جدّا لإثارة القلق.

وفي علم النفس، فإن القلق هو مشاعر ضاغطة من الخوف الذي ينتابك عند التفكير بأمر ما، وتصاحبه أعراض متعددة، قد تكون جسدية أو نفسية أو اجتماعية.
 

وهو"مرض العصر" لأن عصرنا الحاليّ أصبح شبيها بحلبة صراع بين الإنسان والحياة الصعبة، لما فيها من مشاعر مختلطة، وغلاء معيشي، وانعدام الأمان، والخوف من القادم، والحاجة إلى تأمين مستقبل أفضل، وشعور الإحباط حين لا تحقق أحلامك التي وضعتها لنفسك منذ سنوات.

وقد يكون القلق سمة شخصية، أي أن شعور الخوف مستقرٌ نسبيا لدى الإنسان ولا يتأرجح بشكلٍ جنوني، ولكنه يتحول إلى حالة مرضية عندما يؤثر على أدائه و ينغص عليه حياته.

ولعلّ أكبر مساوئ القلق أنه لا يبدو واضحا على الجسد مثل الكدمة مثلا، فلا أحد يراه و لا أحد يعلم بوجوده سوى الشخص نفسه، فتكون معاناته خاصة به لا يشخصها طبيب ولا صديق.

الآن و قد تعرّفنا على القلق، فهذه هي جوانبه المخفية:
1- الخوف ضروري للبقاء
يقول علماء النفس أن قليلا من الخوف ضروري للبقاء على قيد الحياة، فهو وسيلة دفاعية من الدرجة الأولى تحثّك على التصرف والتفكير بسرعة فائقة، ذلك أن إفراز هرمون الأدرينالين (هرمون الخوف) وضخه الى الأطراف والرأس، يحفّز لديك غريزة التفكير والدفاع عن النفس.

تخيّل أن سيارة مسرعة تتجه نحوك؛ إن لم تشعر بالخوف، ستكون العواقب وخيمة، ولكن مقدار هذا الخوف هو من يحكم ردّة فعلك. فالقليل منه يجعلك تركض مبتعدا عن السيارة فينقذ حياتك، بينما الكثير منه قد يشلّ ذهنك وحركتك تماما. إذن لا بد من بعض الخوف، و تأكّد دائما بأنكما ستصبحان أصدقاء مقرّبين عندما تحوله إلى طاقة إيجابية تساهم في تقدّمك بدلا من شلّ حركتك.

2- أنت لست وحدك
أن تعرف أنك لست وحدك يعني أن تعرف أن الجميع يخطئ أيضا، وأن أكثر الناس ثقةَ بأنفسهم يخافون و يقلقون أيضا، ولكن الفرق أنهم لا يولّون ذلك الخوف اهتماما كبيرا، وأنت لا تعلم بوجوده.

بما أنك تقرأ هذا النص في هذه اللحظة، فعليك أن تعلم أن مشاعرك مشروعة وحقيقية جدا. في هذا العالم ملايين الأشخاص الذين يعلمون تماما ماهية الخوف والقلق ويفهمون بالضبط ما تعانيه. لذلك فأنت لست وحدك أعط نفسك فرصة للخوف الطبيعي والإنساني والتغلّب عليه كما يفعل الآخرون.

3- ما هو أسوأ ما يمكن أن يحصل؟
يقول الكاتب الإيرلنديّ سامويل بيكيت "أنت على الأرض، لا علاج لذلك". والحياة ليست مثالية فهنالك الكثير من المشاكل التي قد تواجهك في يومك، مثل أن تعجز عن دفع الإيجار آخر الشهر، أو أن تخفق في امتحانك، أو أن لا تحصل على وظيفة لطالما حلمت بها، ولكن كل هذا سيحصل سواء قلقت أم لا، أيعقل أن نعيش حياة كاملة قلقين مما سيحصل؟

ولذلك فلتعلم أن أسوأ ما يمكن أن يحصل لن يدمّر حياتك، بل سيكون خيرا لك خاصة إن بذلت كلّ جهدك للحصول عليه.. ذلك يكفي فمما نخاف إذا؟

4- تملّك الشجاعة

الحياة ليست مثالية فهنالك الكثير من المشاكل التي قد تواجهك في يومك، وهذا سيحصل سواء قلقت أم لا.

هذه الفكرة الكليشية هي حلّ لكثير من القلق. فمثلا أن تظهر على التلفاز أمام الملايين من الناس أمر مرعب جدا، و لكن عندما تقوم به ستكسر حاجز الخوف، أنت الآن على التلفاز وأكثر ما يمكنك أن تفعله هو أن تقول ما يدور في رأسك. سوف ينتهي هذا الموقف و ستشعر بالفخر لأنك قمت بأصعب مهمة بالنسبة لك و هي أن تظهر على الشاشة مثلا.

5- الراحة في الأمور الصغيرة أيضا
كوب من القهوة، نكتة مضحكة، رائحة جميلة، صوت فيروز، قطة لعوب، كتابٌ جيد، ابتسامة طيبة، أكلة متقنة المقادير، جلسة مريحة، ذكرى جميلة، وقائمة طويلة لا تنتهي، كلّها أمور قد تجلب لك الراحة في أوقات خوفك. لا تبحث عن أسباب عظمى لسعادتك، بل ابحث عنها في أبسط الحوادث. الأشياء الصغيرة التي تحسّن مزاجك.. احتفل بها كلّ يوم، وكن شاكرا لأن الحياة تعطيك فرصة ثانية لتجربها من جديد.

6- البيئة الإيجابية
تخيل نفسك محاطا ببيئة سامة، مستنقع وروائح كريهة، فشعورك بعدم الراحة سيأتي من هذه البيئة التي لا تناسبك. لذلك حاول دائما أن تحيط نفسك ببيئة صحية، وأناس يساهمون بالراحة والصفاء الداخلي، بأشخاص متفائلين  لهم مزاج  جيد يستطيعون أن يمدوا حياتك بالألوان والطاقة الإيجابية والراحة من الخوف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.