يظل هذا الأمل في نفس المعتقل مادام حيا يتوهج شعوره تارة ويخفت تارة أخرى.. مع أن المعتقلات في مصر تحاول قتل المعتقل معنويا قبل قتله جسديا؛ لذلك هم حريصون كل الحرص على قطع تواصله مع الخارج ليتم تغييبه عما يحدث وتغييب العالم عنه، لإبطال فاعلية هذا الشخص، لذلك يريدون أن لا يكون هناك مصدر للمعلومات إلا من خلالهم.
فلا يسمح إلا بإدخال الجرائد الحكومية هذا في أفضل الأوضاع ولغة الضباط والمخبرين والشويشية المدروسة والموجهة التي تصيبك بالإحباط، وفقدان أي أمل أو بصيص نور حتى لو آت من بعيد.. وبذلك يقوم باغتيالك وقتلك قتلا معنويا..
أن تصمت وتجلس في بيتك خير لك من كل كلمة تفوهت بها تطعن في أولئك الشرفاء الذين غلبت أرواحهم الطاهرة على عقولهم فأبوا أن يجلسوا في بيوتهم. |
هذا بعيدا عن التضيق والإيذاء البدني لأن هذا ليس مجاله.. هنا يحاول المعتقل مقاومة كل محاولات الاغتيال هذه بكل ما أوتي من قوة.. فيحاول المعتقل تهريب أي جريدة غير حكومية، ويقوم بتخصيص وقت ليس بالقليل من زيارته الأسبوعية أو النصف شهرية لمعرفة كل جديد من الأخبار، أو يقوم بمغامرة غير محمودة العواقب مطلقا وهي تهريب أي وسيلة تواصل، ليكسر بذلك فكرة المعتقل وهو عزلك عن العالم وعزل العالم عنك الخلاصة المعتقل يفعل أي شيء ليحصل على المعلومات، ويقف على الحقائق لا التي يريدون تمريرها له..
لذلك فهو يتابع الأخبار وكل ما يحدث بالخارج بدقة وعن كثب.. وتساهم هذه المعلومات والأخبار في تشكيل نفسية المعتقل والتأثير فيها.. ومن أكثر الأمور التي تؤثر في نفسية المعتقل؛ هو علاقته بمن بالخارج، ولو شعر للحظة أنه منسي لا يتذكره أحد ولا يعمل أحد من أجله وقضيته يكون هذا أقسى عليه وأشد ألما من سياط جلاده " لذلك فهو اليوم ١١/١١ يحيي ويرفع القبعة لكل من نزل في الشوارع "لأن نزولهم هو أقوى رسالة له بأننا لم ننسك يوما، بل مازلنا نحمل بصيص أملك على أكتافنا ونسير به.. كما أنه يلعن أولئك الماحقين المثبطين الذين ليس وراءهم غير الآراء العبقرية المستهزئة من أولئك "الجهلاء المنساقين" على حد قولهم الذين نزلوا.. ولكن في الحقيقة بعين المعتقل يرى هؤلاء هم أمثال الواردين في سورة الأعراف القائلين "لم تعظون قوما" أولئك المنسيين من التاريخ المهملين من القرآن حتى لم يرد ذكرهم في أي آية في بقية القصة فضاع ذكرهم بين مصير العاملين الفاعلين والظالمين فقال "فأنجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس" فأصبحوا هم المهملين في هذه القرية.. كما ينظر المعتقل إلى الذين نزلوا مثلهم مثل الذين قالوا "معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون "..
وعذرا "لا تتفلحص" عليّ وتقول هذا خطأ القيادات وعدم رؤية وعدم استراتيجية وو… إلخ وتدخلني في هذه المتاهات وفى النهاية أنت واحد من اثنين إما واحد تمكن منه اليأس فيريد أن يصاب الجميع بما أصابه حتى لا يكون لأحد أفضلية على الاخر.. وأما أنت حقا لديك مشكلة أو وجهة نظر مع الوضع الحالي؛ فأحرى بك أن تصمت وتجلس في بيتك خيرا لك من كل كلمة تفوهت بها تطعن في أولئك الشرفاء الذين غلبت أرواحهم الطاهرة على عقولهم فأبوا أن يجلسوا في بيوتهم، وهذا الظلم مازال قائما حتى لو علموا يقينا أن هذا ليس كاف لانقشاع هذه الغمة..
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.