شعار قسم مدونات

ترامب ونحن والفلافل

blogsأمريكا

ترامب رئيساً للولايات المتّحدة الأمريكية، خبر ضجّت به الدنيا وكالعادة بدأت الأقلام والأفواه والأصابع تخطّ روائع النّقد والتحليل والتنّبؤ، والتخوّف والتحذير، والتذمّر والنّحيب، وبدأ كونان وإخوته يبحثون في ماضي الرجل ليوضّحوا لعالم أنه وسخ وتافه وعنصري.

هذا الرّجل المسكين ترامب، الذي قضى حياته "مجاهدا" في سبيل رفعة بلده فخرج من هذه المجاهدة ببضع مليارات من الدولارات بنكهة الوطنيّة، كل ما فعله أنّه مارس حقّه فرشّح نفسه ليكون رئيساً لدولة هو مواطن فيها، وساهم في رفع اقتصادها بوساطة مشاريعه الضخمة، وكان يقول بكل صراحة: أنا عنصري ويظهر على العلن بأوضاع مختلفة وأماكن عدّة على ما هو عليه ليقول: أنا سأطرد وسأحارب، وسأفعل كذا وكذا..

لمَ هُمْ مستاؤون من ترامب؟! لا أعرف جواباً لهذه الأسئلة المحيرة. بالعكس أرى الأمر جيداً لنا، انكسرت أسطورة الشعب الوردي!

ولم يخفِ الرجل عن شعبه شيئاً من نفسه، ورّغم ذلك فاز. الشعب الأمريكي العظيم منقذ البشريّة وحامي حمى الضّعفاء، ذلك الشعب المتحضّر المتشدق بالقيم والأخلاق انتخب ترامب وهو يعرف من هو!

هكذا نحن دائماً "قرص" من الفلافل يُرمى بالزيت فيفور حتى إذا تمكن الزيت منه هدأ وصار جاهزاً للأكل، لن يدوم الأمر طويلاً حتى يهدأ شجعاننا الذين لم يعجبهم وصول هذا العنصري المختل إلى سدة حكم العالم، نعم هي سدّة حكم العالم للأسف، سواء رضينا أم غضبنا، فما هي إلا مسألة وقت حتى نجهز للأكل، فيقتاتوا علينا ويلقوا فتاتنا لمن بعدهم، ومن ثم يجعلونه منّة منهم وفضلاً..

يحكم العالم اليوم أبله اختاره شعب الحضارة والرقي! و حتى أكون منصفاً اختاره أكثر من نصف شعب؛ نصف شعب وأكثر اختار ترامب ليحكمهم و ليحكم العالم من بيته الأبيض بقلبه الأسود، والغريب هو أنّ الكثيرين منا منزعجون من هذا !

ما الذي يزعجهم؟ ما الذي أيقظهم؟ لم هم مستاؤون؟! لا أعرف جواباً لهذه الأسئلة المحيرة. بالعكس أرى الأمر جيداً لنا، انكسرت أسطورة الشعب الوردي، والمنقذ البطل الذي لن تجد في العالم كلّه مصيبة إلا وله بصمته فيها، وأعتقد أنه يحقّ لنا اليوم أن لا نفرق بين الحكومة والشّعب!

ما الذي يزعجكم؟! أن يضيّق عليكم ؟! وهل أنتم في سعة حتى تضيق! خوفكم من أنّه سينهب ثروات بلادنا؟ وهل في البلاد ثروة ولم ينهبها "الترامبيون" العرب؟! أم كرهه للعرب وللإسلام؟ ومن يكرهنا أكثر منا؟!

لك أن تجري بحثاً عن شعوبنا العربية دون استثناء وانظر حجم العنصرية والطائفية والكره الذي يسكن البيوت والقلوب، لعل ما يزعجكم أنه رأسمالي فاسد؟ لا أعتقد أن عدد كلمات هذه التّدوينة سيخدمني في الحديث عن الفساد الذي ينهش جسد مؤسساتنا منذ سنين.

أن تكتفي بالمراقبة ثم النّحيب، ثم صناعة أكبر صحن تبولة وأضخم قرص فلافل في العالم! حينها سنكون قرص الفلافل الذي اعتادوا على فورانه. 

لست منظّراً ولا محلّلاً سياسياً ولا أفهم كثيراً عن هذا العالم "الوسخ"، عن عالم السياسة أتحدث، وإنما ما أريد إيصاله أنه علينا البحث عن سبيل نحمي به أمّتنا من "الترامبيين"، فهو ليس واحداً ولن يكون.

فكّر أنت كيف ستكون جزءاً من هذا الدرع الذي يقينا بأس طالوت وجنوده، من هناك حيث تجلس لتؤدي عملك تبدأ مهمّتك، من غرفة الأولاد يا سيدتي، من مدرستك، من داخل سيارتك، من هذه اللحظة التي تنهي بها هذه المقالة.

ليس المهم ما سيفعله ترامب وكيف سيؤثر فينا، المهم حقاً ماذا سنفعل نحن لأنفسنا، وكيف سنساهم في نهضة أمّة عانت من سبات طويل، أما آن لنا أن ننشغل بأنفسنا عنهم؟

لا ضير في أن نراقب ونعي ما يحدث، ولكن أن تكتفي بالمراقبة ثم النّحيب، ثم صناعة أكبر صحن تبولة وأضخم قرص فلافل في العالم! حينها سنكون قرص الفلافل الذي اعتادوا على فورانه، ولم يعد يعني لهم شيئاً سوى أنه بعد قليل سيهدأ ويصبح جاهزاً للأكل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.