شعار قسم مدونات

أتسأل الله: لماذا؟.. راجع إيمانك!

blogs - human
تابعت قبل عدة أيام، عبر تطبيق سنابشات، امرأة ذات شهرة إلى حد ما في المجتمع المحلي، تعمل في مجال التجميل، تشتري حذاءاً بثلاثمئة دينار أردني بسعادة غامرة كونها استطاعت اللحاق به في موسم التنزيلات، حيث إن هذا الحذاء -الألماسي ربما- كان يباع بسعر ألف ومئتي دينار أردني (حوالي ١٩٦٠ دولاراً أميركياً)، قبل ذلك بفترة تابعت المرأة ذاتها، وهي والحق يقال ناجحة في عملها، تتجول عبر سنابشات في بازار رمضاني ابتاعت منه سواراً يدوي الصنع بخمسين ديناراً أردنياً (حوالي ٧٠ دولاراً أميركياً) وقد وصفته بالرخيص جداً أكثر مما يمكن تصوره.

الحديث هنا ليس لجلد الأثرياء الذين يشترون من مالهم ما يشتهون وهناك جوعى في الجوار، الحديث عما يفكر به هؤلاء الجوعى.

بينما تشتري نسوة أحذيتهن بأكثر من ألف دينار، أدخل أنا مقهى في منطقة شعبية بصحبة صديقاتي ليقوم بخدمتنا موظف نعرف لاحقاً أنه يحمل درجة في التاريخ، أتساءل: ألا يفكر رجل مثل هذا؟ ألا يسأل في داخله "لماذا علي أن أخدم أربع فتيات يحملن درجات في تكنولوجيا المعلومات، بينما أنا الآخر أحمل درجة علمية أخرى؟، ما جدوى ما قضيته من سنوات في تحصيلها؟ أليس هذا ظلماً؟"  ألا يشعر أن لديه الرغبة في الصراخ والاعتراض وهو ينظف الموائد من خلف الزبائن ويحمل مخلفات طعامهم بيديه؟.

إنها قضية الرضى بالقدر، التي تصطدم دوماً بالسؤال "لماذا؟" ؛ لماذا يحدث لي هذا؟ لماذا علي أن أقبل؟ لماذا أنا بالتحديد؟. والتي تصطدم كذلك بالطموح ومفهوم العدل، فكيف يقنع الطامح بمنصب رئيس مجلس الإدارة بمنصب مدير صغير دائماً، وهو الذي يفعل كل ما بوسعه ويطور مهاراته ويكتسب الخبرات لينال درجة وظيفية أعلى، ثم لا ينال؟ كيف له أن يقنع وهو يرى من هو أقل كفاءة من المتطلبات الوظيفية الأساسية يعين وفقاً لاعتبارات شخصية وصداقات وواسطات ؟ كيف له ان يشعر بالرضى والسعادة ولا يشعر بالسخط؟ أو الذي يجد نفسه مقيداً إزاء ما يحدث معه مثل أن يرزق بابن غير صحيح العقل أو البدن، مصاب بمتلازمة داون مثلاً، ألا يسأل نفسه صباح مساء: لماذا أنا؟.

ليس سهلاً على الإنسان أن يقف مقيداً غير قادر على الحصول على ما يريد، بعد أن فعل كل ما بوسعه، بينما هو يشاهد آخرين يحصلون على ذات الشيء.

شخصياً، اختبرت إيماني بقضاء الله وقدره مرات قليلة في حياتي، في أوقات كنت لا أملك فيها سوى النظر إلى ما يجري، ووجدت الأمر في غاية الصعوبة، ليس سهلاً أبداً على الإنسان، هذا المزيج المعقد من المشاعر والأفكار والآمال والطموحات والرغبات، هذا الذي مِيزَته هي القدرة على الاختيار، ما يجعله إنساناً هو قدرته على الاختيار، ليس سهلاً عليه أن يقف مقيداً غير قادر على الحصول على ما يريد، بعد أن فعل كل ما بوسعه، بينما هو يشاهد آخرين يحصلون على ذات الشيء.

ليس سهلاً أن يقف مسلوب القدرة على الاختيار، أن يرى واهب هذه القدرة لا يعطيه إياها، في قضايا مثل المرض والأبناء غير الأصحاء والفقر والحرب والسجن ظلماً والأهل غير البارين بأبنائهم، أي من هذه لا يستطيع الإنسان اختيارها أو دفعها، إن قبول هذه الأوضاع القهرية لهو أمر صعب، يضع الإيمان على المحك، لا عجب أن الرضى بالقدر ركن من أركان الإيمان، فهو يختبر صفة أصيلة في الإنسان، الرضى بأن لا يختار، ويتلقى رغماً عنه، شيئاً لا يريده، ويرضى، يختبر الطاعة والتسليم.

قد يقوم الإنسان، هذا الضعيف، بالتمرد، قد يصل إلى حده وينفجر ويعطي رد فعلٍ معاكسٍ للطاعة، قد يكفر أو قد ييأس تماماً وهو ينظر إلى أطفاله يموتون جوعاً وهو يقضي حياته في حمل أكياس الإسمنت بينما شهادته الجامعية أكلها الدود، قد ييأس تماماً وهو يرى أنه لا جدوى منه وأن لا أمل في سداد حاجات هؤلاء الصغار، قد ينتحر أمام السؤال الملح الذي يطرق عقله كل يوم: لماذا أنا؟ قد يقرر أن ينتحر حقاً، وقد يشعر بالسخط الشديد تجاه الله بدل أن يقترب منه ويدعوه، ربما يكون قد يئس كذلك من التوسل أمام باب الله في الليالي الحالكات وفي كل بيوته بينما المرض يأخذ أبناءه ولا يكترث.

فكيف لنا نحن، أن نأتي من بعيد ونُنَظر ونطلق الأحكام على هؤلاء المساكين الذين لم يسعفهم شيء ولم يسعفهم إيمانهم في مواجهة المصائب التي تتلبسهم، كيف لنا أن نقول بسهولة إن كل منتحر مصيره النار؟ وإن إيمانهم محل شك؟ كأنما إيماننا نحن الذين لم نُمتحن مثلهم ليس موضع شك، كيف لنا أن نحكم على الفقراء الساخطين الذين ينأون عن كل خطاب ديني مثالي وعن كل أولئك المتشدقين بأقوال الصبر الجميل والرضى بالقدر وانتظار العوض في الآخرة، كيف لنا أن نحكم على هؤلاء بقلة الإيمان والكفر والعصيان ونطالبهم بمراجعة إيمانهم؟ ونتحدث بتشفٍ أنهم يستحقون ما يحدث لهم وأنهم لو اقتربوا من الله لجازاهم حُسناً وأن عليهم أن يصبروا على اختبارات الله لهم؟ أليس هذا القول ظلماً بحقهم ؟ أليس سطحياً؟

هذه بالطبع ليست دعوة لتبرير الانتحار ولا الكفر ولا البعد عن الطريق القويم، إنما هي دعوة لأن نتمثل صفة الله تعالى: الرحمة.

فالله الذي وصف نفسه بالرحمن الرحيم، أكثر رحمة -وأكثر حكمة كذلك- من أن يطلق أحكامنا السطحية على عباده، وهو الخبير بظروفهم النفسية والاجتماعية وما في قلوبهم من إيمان وما يتنازعه من شكوك ومراودة لهوى النفس ووسوسات الشياطين، وهو الأعلم بمعاركهم الشخصية التي يخوضونها في سبيل الحفاظ على هذا الإيمان وهو الأعلم بضعفهم ومتى سيسقطون وكم من الاختبارات سيجتازون، فمن الحكمة أن نصمت إزاء هؤلاء ونصلي لأجلهم بدل أن نلعنهم ونلعن ما نظنه خروجهم عن الإيمان.

ورضي الله عن الفاروق عمر إذ قال "أعلم الناس أعذرهم للناس"

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.