شعار قسم مدونات

الإنسان سجين عادات مجتمعه

blogs - people
هناك نظرية في علم الاجتماع تقول "الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته"، أي أنه يحب العيش في جماعات ومجتمع وسط عادات وتقاليد وموروث ثقافي، لم نسمع يوما أن شخصا مفردا أقام حضارة ما، ولكن جماعات من الناس هي من تشيد الحضارات ونتج عنها ثقافتها وعاداتها الخاصة بها، منها ماهي عادات إيجابية ومنها ماهي عادات سلبية.

فماهي العادات والتقاليد؟ كنا نتساءل من صغرنا عن أشياء وأفعال أصبحت عادات لا نفارقها ولا تفارقنا فكيف أصبحت بعض الأفعال عادات..!؟

يقال أن أي شيء تفعله أكثر من ثلاث مرات يصبح عادة، والعادة هي الشيء المألوف الذي يفعله الإنسان بدون تفكير ولا يشعر بضيق أو تعب.

لا يجرؤ الإنسان على تغير شيء من عادات مجتمعة، بل إن البعض يوصلها لدرجة التقديس، وبعض العادات قد تكون عائقا أمام التفكير والطموح.

العادة تكونت من أفعال مستمرة لشي ما أو حدث ما، ويزخر مجتمعنا العربي بكامل أقطاره بالعديد من العادات والتقاليد منها ما هو غريب، ومنها ما هو طبيعي ومنها ما هو منافي للدين، ومشكلتنا في المجتمع العربي يقدسون العادات والتقاليد.

العادات: هي موروث ثقافي اجتماعي يحاول المجتمع المحافظة عليها وعدم المساس بها. وهناك فرق جوهري بين العادة والفطرة؛ فالعادة هي شيء مكتسب نتيجة استمرارية ممارسة الأفعال نفسها حتى أصبحت عفوية ولا إرادية، وهناك دافع يدفعنا لممارستها. أما الفطرة هي شيء خارج عن إرادتنا شيء جُبلنا عليه مثل الغريزة الجنسية عند البشر، وغريزة ميلنا للجنس الآخر، وغريزة الأكل والشرب.
 

العادات هي نتائج أفعال متكررة حتى تصبح شيء من كيان الشخصية، ويجد بعضنا صعوبة في ترك بعض العادات وبعض العادات عادات مجتمعية تربينا عليها وتستمد قوتها من خوف المجتمع كله من التغيير، وينظرون لأي شخص يرفض بعض عادات المجتمع أنه غريب وغير طبيعي.

لذلك يحاول الآباء زراعة العادات والتقاليد لأولادهم وكأنها جزء لا يتجزأ من هويتهم وشخصيتهم حتى يكبروا وهم متأقلمين معها لا ينفرون منها، فالمجتمع الشرقي من شدة اهتمامه بالعادات لا يرى الاختلاف والتنوع ميزة بل يراها خلاف ومشاكل.

نلاحظ في الوطن العربي تنوع عادات وثقافات، شيء جميل ورائع ولكن ثقافة "القولبة وإن كل الناس لازم يكونوا مثلنا" مسيطرة على أفكار المجتمع.

إن المجتمع الذي يرفض الاختلاف والتنوع يحاول عمل نسخ متطابقة من أفراده مجتمع ضعيف وغير متماسك. إن الاختلاف سنة الله في الكون وهو أساسي في استخلاف الله للإنسان في الارض.

ويعيش الإنسان بين هذا وذلك لا يجرؤ على تغير شيء من عادات مجتمعة بل إن البعض يوصلها لدرجة التقديس، وبعض العادات قد تكون عائقا أمام التفكير والطموح.

كلنا نتذكر طفولتنا وكثرة طموحنا وأسئلتنا المتكررة والتي اعتبرها آباؤنا أنها سخافة وعندما كبرنا وحملنا عادات مجتمعنا "وأصبح هذا عيب، وهذا ما يصلح تسأل كذه، وإيش بيقولوا الناس علينا"، تخلينا عن فكرة التفكير والأسئلة، عندما سئل آينشتاين كيف وصل إلى كل هذا قال: ببساطة تخيلت فترة الطفولة وحاولت أن أضع الأسئلة نفسها الآن.

كما أن المجتمع يقدس عاداته فهو يمقت وينكر أي شخص يحاول الخروج عن عاداته والتفكير بعيد عن عاداته وتقاليده، "التفكير خارج الصندوق" هو من حول أشخاص عاديين إلى علماء ومشاهير ومتميزين هو من جاء بآينشتابن وآديسون وستيف جوبز وغيرهم من الكثيرين.

الخروج عن عادات المجتمع ليس سهلا؛ بل يتطلب عزيمة قوية وإرادة لأن الشخص سوف يلاقي معارضة قوية من المجتمع، لأن المجتمع يميل إلى الاستقرار بما هو عليه ويخاف التغيير وعواقب التغيير.

ليست كل عادات المجتمع عادات سيئة فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بعث في قوم وصفوا أنهم في جاهلية فقال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
 

النية في الأعمال العادية تخرج العمل من طور الروتين إلى الوعي والادراك وأحيانا التجديد، الكثير منا يخشى التغيير والتجديد ويعتبرونه مجازفة.

فقد كانوا يحملون عادات مجتمعية اخلاقية منها نصرة الضعيف وإغاثة الملهوف وغيرها، وهناك عادات مجتمعية إيجابية مثل عادة القراءة وعادة ممارسة الرياضة وعادة صلة الارحام، والعادة هنا قد تكون نوعين إما عادة روتين أو عادة وعي.

الروتين هو تلك الأفعال التي نفعلها بشكل مستمر ومكرر لدرجة تتشابه عندنا الأيام، فكل يوم نسخة متطابقة عن قبلها لدرجة الملل، الوعي هنا هو إدراك ما نفعله باستمرار وفوائد ما نفعله، الوعي يزيل الرتابة ويصنع التجديد والتجديد يزيد النشاط والإنتاجية للفرد.

الصلاة هي فريضة يومية وخمس مرات يوميا منا من يجعلها روتين وهو أنه محافظ على الصلاة بأوقاتها ولكن بدون وعي، ومنا من يجعلها إدراك ووعي، والوعي هنا إدراك وتدبر لما يقوم به من قول وفعل أثناء الصلاة.

النية في الأعمال العادية تخرج العمل من طور الروتين إلى الوعي والإدراك وأحيانا التجديد، الكثير منا يخشى التغيير والتجديد ويعتبرونه مجازفة، وقد قيل "إذا كان التغيير مجازفة محفوفة بالمخاطر فإن الروتين قاتل".

نعم! الروتين قاتل فهو يقتل الأمل فينا والطموح ويقتل الجمال، سر الجمال والاختلاف والتنوع، وسر التميز والإبداع وعدم التقليد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.