شعار قسم مدونات

أحلام مسروقة في وطني

Syrian
ما كنت أتصور أن أحلامي التي ما كان ليتسعها الكون أن تحشر في حقيبة سفر يوضع فيها كل ما يحتاج لاجئ يتسكع معها على أبواب السفارات، ويفترش بها أراضي وأرصفة الطرقات، ليصبح الحلم الاعتراف بي لاجئ رسمي بدل التشرد.

وها أنا أجالس ذكريات حملتها بحقيبتي، أقلب بها بين عناوين وأرقام بدفتر صغير يحوي داخله أجمل الذكريات للأخوة الأصدقاء، ثم يقع بيدي مجموعة صور تلاطف بعضها البسمات، وتداعب أصابعي وجوه الصور، وبعضها الأخر يستدعي الدموع، قد غادروا بهدوء وتركوا أحلام استبيحت، ولو عادوا وشاهدوا مانحن به لاختاروا العودة من حيث أتوا.
 

أتنهد وأحاول نسيان الجوع الذي يلازمني في الليل والنهار، وأحاول الهروب منه بتقمص النوم، ولكنه غدار، يلكمني لكمة لئيمة في بطني تجعلني أفقد النوم، ولكن لكمته تبقى أهون علي من اللكمات التي أتلقاها من الذل والهوان لأستجدي إعانة أو مساعدة أو دواء يرفع عني ألم السنين.

متى كان هناك وطن، إذا لم يكن هناك مواطن يعيش الأمن والأمان، ويحلم بالمستقبل، ويحقق أحلامه وأحلام أطفاله دون أن تستباح حقوقه تحت أي بند أو مسمى.

نحن أحياء، ولكننا لا نعيش، لقد أصبحت دموعنا بحارا نبحر بها بقوارب مطاطية وندفع ثمن ما شقينا به طول العمر، ليتبين لنا أنها قوارب الموت، هذا العالم بلا ضمير، أو نحن بلا عقول لا أدري؛ ولكن الجميع يهرب من الموت المحتوم إلى الموت بطريق الحرية، لقد اختاروا الموت بحرية على الموت بطريقة الخنوع وبيد الطغاة.
 

يحدثني أبو جاسم -جاري في المخيم- إنه فقد ابنته وأحفاده الثلاثة، وهو من باع بيته بسعر بخس ليؤمن لهم ثمن الركوب في قارب مطاطي يعبرون به إلى ألمانيا حيث يقيم صهره.
 

أبو جاسم رجل مسن تخجل الدموع في عينيه من السقوط، ويهابه الحديث الذي انطوى في تجاعيد وجهه، تاريخ من المأسي والوجع، ثم يقول المهم الكرامة، ويدعك وجهه بكفيه، ولا أدري إن كان فعل ذلك ليخفي دموع القهر والحزن، أو أن العمر جعله لا يستطيع الاستمرار، فهو يعاني من ألم الأعصاب، ولا يجد الدواء، ولكنه ما زال مستمرا على قيد الحياة على أمل العودة لأرضه التي بقيت له في بلده.

ثم آخذ بيد أبو جاسم وأوصله ليرتاح في خيمته، وأعود لخيمتي المثقلة بالثقوب لأضع حقيبة سفري وحاملة أحلامي تحت رأسي، لقد أصبحت وسادتي بعد أن سرقت أحلامي، كما سرقت أحلام كل مواطن سوري، واستبيحت أحلامي، كما استبيحت أحلام كل مواطن باسم أمن الوطن والسيادة الوطنية.
 

فمتى كان هناك وطن إذا لم يكن هناك مواطن يعيش الأمن والأمان ويحلم بالمستقبل ويحقق أحلامه وأحلام أطفاله دون أن تستباح حقوقه تحت أي بند أو مسمى، فلا يمكننا الموت مرتين، ولا يمكنكم قتلنا مرتين، فهذه جريمة يحاول مرتكبها الهروب من العدالة، لأن سرقة أحلام الشعوب هو قتل عن سابق إصرار وتصميم، فلا تقل لي لاجئ، هذه الكلمة تجرحني وتؤلمني، وفي معايير اللجوء الهروب من الموت المحتم والاضطهاد، وأضيف البحث عن الأحلام المسروقة مني في وطني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.