شعار قسم مدونات

هل الشعب الأمريكي "مخبول"؟

People turn to jeer reporters after Republican U.S. presidential nominee Donald Trump (at lectern in background) directs them to at a rally in a cargo hangar at Minneapolis Saint Paul International Airport in Minneapolis, Minnesota, U.S. November 6, 2016. REUTERS/Jonathan Ernst

يقول نيقولا ميكافيلي "ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة " ترى هل سيقول ميكافيلي هذه الجملة مجدداً لو رأى ترامب؟

نعم لم يكن هذا الرجل حريصاً البتة بأن يظهر بمظهر الرجل الفاضل والسياسي الوقور ، وإنما على النقيض أظهر بأنه المتعجرف سليط اللسان البذيء المعادي للأقليات !

لو كان الأمر يتعلق بأمريكا فقط لأسعدني اختياره لترامب لكن الأمر متعلق بالسلطة الأكبر في العالم .. بات يقوده سائق أهوج في منحدر خطر

هذا يجعلنا نقف وقفة تأملية جادة للحال الذي وصلت إليه مخيلة الشعب الأمريكي اليوم، فبعد الحرب العالمية الثانية وقتل مئات الملايين بسبب قادة مجانين مثل هتلر، وفي ظل التطور العلمي والتكنولوجي الهائل وارتقاء التعليم وتطور مفاهيم مثل الديمقراطية و حقوق الإنسان والقانون الدولي.

ظن الجميع أن العالم قد وصل إلى مرحلة اكتسب فيها من المناعة ما تجعله يحارب  ويرفض اعتلاء أي مخبول إلى السلطة، وبالأخص إذا كنا نتحدث عن أمريكا التي تقود العالم وتمتلك السلطة الأكبر فيه ، لذلك يحق لكل شخص في العالم أن يشعر بالرعب حينما يصل شخص " مخبول" إلى كل هذه السلطة يمتلكها في يديه.

فلو كان الأمر متعلقاً بأمريكا فقط لكان اختيارهم له يسعدني، لكن الأمر متعلق بالسلطة الأكبر في العالم .. بات يقوده سائق أهوج في منحدر خطر.

نعم – في نظري- ليس هناك فرق كبير بين هتلر وترامب ..هتلر كان يردد نفس الشعار الذي ردده ترامب، وكان يقول " لنجعل المانيا عظيمة مجدداً " وكان عنصريا ضد الأعراق الأخرى. وترامب كذلك لا يريد المسلمين والمكسيكيين واللاتينيين في بلده.

هتلر كان يفرق على أساس الدين فيقول مسيحي ويهودي، وترامب كذلك يفرق بين المسلمين والمسيحيين، ويبقى السؤال، ما الذي كان يفكر فيه الناخب الأمريكي وهو يصوت لصالح ترامب ؟ لا أستطيع  أن أرهم إلا كمجموعة من "المخبولين" مثل ترامب.

إذا كان من الصعب أن نتفهم كيف أوصل الشعب الألماني هتلر إلى السلطة على الرغم من كل ما كان يجاهر به من عنصرية عام 1921، فكيف نتفهم كيف أوصل الشعب الأمريكي ترامب عام2016؟! فهتلر وإن كانت أفكاره مرفوضة في وقته، إلا أنها لم تكن تبدوا مجنونة للعالم في وقته كما تبدوا اليوم أفكار ترامب.

فقد كان هتلر يتحدث بلغة الناس في زمانه، وقام بتطوير أفكار الحزب النازي بناء على العلوم والأفكار التي كانت موجودة في وقته، فإيمانه بأن العرق الآري أفضل الأعراق البشرية المتطورة كان مستنداً على الفهم الخاطئ المنتشر لنظرية داروين في ذلك الوقت لحداثة انتشارها بين الناس.

كما أن العالم كان ما يزال غارقاً في العنصرية والعبودية والنظرة الدونية للآخرين، لم تكن أفكار هتلر بعيدة كثيراً عن تصورات الناس الذين كانوا يؤمنون إيمانا عميق بالفرق بين إنسانية اليهودي والألماني ، فصورة اليهودي "البخيل المحب للمال والغدار" كانت منتشرة في القصص والحكايات الأمثال الشعبية في أنحاء أوروبا.

وعلى النقيض من ذلك فإن أمريكا هي الدولة التي تتصدر محاربة العنصرية عناوين أخبارها ليل نهار.وعلى الرغم من أن الديمقراطيين والاشتراكيين كانوا متواجدين في الساحة الألمانية حينما تولى هتلر السلطة إلا أن مفاهيم مثل الديمقراطية والليبرالية لم تنضج ولم تتبلور إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

أما الديمقراطية والليبرالية ومفاهيم مثل الحرية فهي من المفترض أنها قد وصلت إلى الذروة في أمريكا التي سمحت بزواج المثليين في المحكم، بينما كانون يتعرضون للسجن والقتل في زمن هتلر.

أضف إلى ذلك أن الشعب الألماني كان يعيش مرارة الهزيمة في الحرب العالمية الأولى وكانت المانياوقعت على اتفاقيات مذلة، جعلتها تحت أقدام الدول العظمى ، لذلك لم يكن لدى الشعب الألماني  ما يخسره ، أما أمريكا اليوم فهي تسيطر على العالم.

 كأن الأميركيين قالوا بانتخاب ترامب: سئمنا اللباقة والرؤساء التقليديين نريد بعض الجنون

بناء على ذلك كان من المفترض بقليل من التفكير بالأمر أن يصرف الناخب الأمريكي نظره عن ترامب، لكن من الواضح أن كل هذه الاعتبارات لم تكن في حسبانهم، وأنهم كانوا يفكرون في شيء آخر تماماً، على الأرجح اختاروه كمن يفاضل بين فيلم تراجيديا وكوميديا ولكنه سئم التراجيديا ويريد بعض المرح.

أو ربما كانوا يقولون في أنفسهم: سئمنا اللباقة والرؤساء التقليديين..نريد بعض الجنون.. شخص غريب قصير مختلف عن المألوف، لا يهم إن كان مختلفاً بطريقة سيئة ..المهم أنه مختلف ..كما أننا يقول طرائف جيدة..من المرجح أننا سنضحك كثيراً ..حسنا هيا لنجرب هذه المغامرة.

حسناً الأمر ليس كذلك أيها "المخبولون"..أن تشتري لطفلك -الذي يرغب في أن يصبح سائقا- دراجة هوائية يلهوا بها أمام المنزل ، ليس كأن تسلمه مقود سيارتك في منحدر خطر وأنت تحمل فيها كل عائلتك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.