شعار قسم مدونات

فادعوني أستجب لكم

المسجد والدعاء

كم هي عدد المرات التي شعرت بالضعف وهو يتغذى على جسدك ، والمخاوف يمتلئ بها كيانك حتى تكاد تغرق فيها ؟ أتذكر تلك الأيام التي مضت  الهموم تتراكم بلا توقف وكأنها تتساقط عليك كالمطر دون مظلة تحميك وصوف يلتف حول عنقك ليمنحك الدفء؟ تلك اللحظات التي فقدت فيها معنى الحياة  أصبحت رؤيتك سوداوية ؟ نعم نحن لا نعيش بالمدينة الفاضلة ولا في عالم كامل مثالي، بل العكس تماما ، فكل ما ذُكر لا مفر منه و حدوثه ممكن.

لكن هنا بالتحديد وفي وسط تلك اللحظات ومن عُقر دار السلبية وأقرانها تنبع القوة، يبدأ الإنسان برؤية الحياة على حقيقتها بعيدا عن مثاليات الأفلام و المسلسلات، يبدأ بالتشبع بمفهوم (المترادفات) في كل مرة تبزع شمس جديدة على مصائبه لتنير له الدرب نحو الحلول، فلكل حقيقة وواقع سوداوي حقيقة نورانية تقابلها لتأخده إلى ما يحتاج بدلا من ما يريد.

نحن المسلمون في ضعفنا نجد القوة، ففي كل مرة نتعثر بالحياة ونقع في شباك مكائدها يفصلنا عن حبل النجاة و سلم الصعود ويد من الطمأنية تربت على قلوبنا فقط يد ترفع لتدعوا الله عز وجل بقلب حرارة اتصاله به عز وجل قوية "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة: 186)

هي دعوات و ألسنة رطبة بذكر اسمه عز وجل قادرة على شحنك من رأسك إلى أخمص قدميك، بطاقات إيجابية روحانية، تتشبع بها عروقك وخلاياك العصبية

هي دعوات و ألسنة رطبة بذكر اسمه عز وجل قادرة على شحنك من رأسك إلى أخمص قدميك بطاقات إيجابية روحانية، تتشبع بها عروقك و خلاياك العصبية لتوجه كهربائية دماغك إلى النور الذي يقع في آخر الطريق، كلمات صادقة يسمعها الله عز وجل من لسانك بلا أي وسيط، فقط محادثة بينك وبينه عز وجل قادرة على صَلب طولك وسَقي عودك ، أي عظمة تحملها هذه العبادة البسيطة؟

تخيل جسدك الضعيف وهو يتخذ من سجادة الصلاة أرضا له ويدك ترتعش، وهي ترتفع ترجو منه عز وجل الرحمة والفرج  مع كل كلمة ينطق به لسانك تتسارع نبضات قلبك شيئا فشيئا، ليعلن جسدك عن أقصى درجات الخشوع والتذلل لله عزوجل بدموع تنهمر من مقلتيك، دموع فيها خلاصة ليالي السهر والقلق الطويلة التي نالت من مافيك من قوة وطاقة.

تبكي بحرارة الألم والخوف الشديدان اللذان اتخذا من جسدك مستقرا لهما، ومع آخر قطرات مدمعك و جفافها على وجنتيك تشعر برجفة في جسدك وكأن فؤادك انتفض، تصحو حواسك بأكملها معا و كأن ثقلا كبيرا كالجبال أزاحته كلماتك تلك عن روحك المسكينة لله، وهنا تبدأ القوة وبوادرها بمداعبة خلايا جسدك كاملة ، ولم لا فالله هو حسبك ووكيلك؟

أيها المسلم، لك في الدعاء سلاح قوة، فلما البؤس ؟ألا تذكر الرسول صل الله عليه وسلم والحزن يملؤه لمغادرة البلد التي أحب، لكن ليكون في صلته بالله عز وجل سند وقوة ، أنسيت الألم الذي استرق من أنفاسه وقدمه تدمي أمام أهل الطائف؟ أوالحزن الذي تسلل إلى داخله عند وفاة فلذة كبده ؟ ليجد في الدعاء والاستغفار قوة ؟ أم نسيت بلال بن رباح و عمار بن ياسر و عائلته و أجسادهم تحرقها أشعة الشمس وحرارة الثقل الذي ألقي على أجسادهم ليكون في (أحد أحد) مصدر للقوة؟

لنعيد صياغة تلك التساؤلات التي سردت آنفا لنرسم الصورة بوضوح قائلين : كم من مرة كان ذكر اسمه تعالى كفيلا بتجفيف مدمعك ؟ كم مرة استشعرت اسمائه الحسنى باحثا عن ملجأ لك بينها ؟ أتذكر تلك المرات التي استمددت قوتك من حقيقة أنه حسبك و وكيلك ؟ أن لا حول ولا قوة إلا به عز وجل ؟ ومن أين لنا سند أعظم وأقوى منه!
اعلموا أن بين الضعف والقوة دعاء فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.