شعار قسم مدونات

هلك المتنطعون

blogs-تشدد
إن التشدد الديني في غير موضعه ظاهرة قديمة لازمت عصور الإسلام كلها بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، سببها الرئيس الخلل المنهجي المؤدي إلى الفهم المغلوط للدين الذي يدفع صاحبه إلى الغلو ومجاوزة الحد وفرض رأيه المعوَجّ على الآخر، فإن لم يستجب يُفسَّق ويعاقب وقد يكفَّر، ما يبيح دمه! 

فمَثَل هؤلاء الأجلاف كمثَل حمار سيق إلى جنة نضرة غناء تأخذ الأبصار وتخطف الألباب، فراح يلتهم زهرها ويروث على مرجها ويشوه بديع منظرها.

منساقون وراء العاطفة الطاغية على الفهم الصحيح، فتجدهم محدودي العلم قليلي الثقافة تغلب عليهم الصلافة وغلظة الطبع، لم يأخذوا من الإسلام سوى القشور.

كان التشدد قديماً محدود الأثر والفتنة متمثلاً بالخوارج، بيدَ أنه بات اليوم طاعوناً مستشرياً ووباءً يتفاقم مع الزمن خاصةً بين الشباب، وذلكم أمر طبيعي في أمة مكبوتة مغيَّبة عن دينها ووعيها عقوداً طويلة، مسحوقة تحت أقدام الطواغيت والعسكر الذين خربوا فطرتها وردّوها إلى أسوأ من الجاهلية الآفلة، الواقع الذي خلّف فراغاً هائلاً في ناموسها ووجدانها.

لو قصر الغلو أهلُه على أنفسهم وهجروا العباد ملياًّ ما أُلقي لهم بال ولا كانوا ذوي أثر، أما أن يفرضوه عليك فرضاً ويستغلوا سلطانهم ونفوذهم؛ كي تذعن وتذل عِنانك لهم فهنا الكارثة الكبرى والفتنة العظمى التي تضرم الحروب الضروس بين ظهرانَي المسلمين وتورثهم الشقاق العميق حتى تذهب ريحهم.

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيراً وضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ). المائدة:77 

منساقون وراء العاطفة الطاغية على الفهم الصحيح، فتجدهم محدودي العلم قليلي الثقافة تغلب عليهم الصلافة وغلظة الطبع، لم يأخذوا من الإسلام سوى القشور تاركين اللبّ المفيد، لا يعرفون للحرية الفكرية معنىً بينا يدّعون اتِّباعهم لابن تيمية الذي كان أحد رموزها ومن أبرز ملهميها!

روى البخاري وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". وفي رواية: "القصد القصد تبلغوا". وروى مسلم وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هلك المتنطعون.." قالها ثلاثاً. 

إنّ على علمائنا ودعاتنا ومثقفينا مسؤولية عظيمة يجب أن يضطلعوا بها؛ لتدارك هذا البلاء وتحصين الناس بالفكر السليم والثقافة الإسلامية الشاملة، بإعادة النظر في الخطاب الديني وكيفيّة تربية جيل حر متوازن لا يتشرب عبودية الأجيال السابقة التي رُبيت على الخوف والخرس والانقياد، فهل من مدّكر؟!

(وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ والشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). التوبة:105

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.