شعار قسم مدونات

فخ الهوية.. بين استحضار الماضي واستنطاق التاريخ

blogs صلاة

"كثير من المفكرين الجماعيين يميلون إلى الاحتجاج بأن سيادة هوية جماعية إنسانية ليست مسألة اختيار، إنما هي مسألة إدراك للذات. لكن من الصعب أن تصدق أن شخصا ما لا اختيار لديه بالفعل في اتخاذ قرار يخص مدى أهمية اتصاله بالجماعات المختلفة الذي ينتمي هو إليها"

هكذا دونت الباحثة أمارتيا ضمن ملاحظاتها في كتاب "الهوية والعنف.. وهم المصير الحتمي"، فكثيرا ما يتبع "سؤال النهضة" في المنطقة العربية والإسلامية "سؤال الهوية"، ليصبح موضوع الهوية "والنحن والهم" الشغل الشاغل لكثير من الباحثين والمثقفين محاولين الإجابة على سؤال من نحن؟

ولعل أكبر الدوافع وراء طرح مسألة الهوية في منطقة الشرق الأوسط تتلخص في مسألتين:
الأولى باعتبارها ركيزة أساسية يمكن الانطلاق منها لإنتاج مسارا جديدا للنهضة تتوافق مع الثقافة بكل خصائصها وخصوصياتها، ذلك المسار الذي يضمن تفرد المجتمع في اضفاء لمساته الخاصة التي تضمن وجوده داخل اللحظة التاريخية التي تساهم في سمو الإنسان وارتقائه.

الثانية الصدام الحضاري مع الغرب بكل تجلياته الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، فمنذ دخول الجيش الفرنسي واحتلاله لمصر بدت حالة من الصدمة بمشاهدتهم تلك التقنيات الحديثة التي لم يرو مثلها من قبل وبالطبع كانت الهزيمة حليفا لهم، فالمجتمع الإسلامي كان في حالة من العزلة مع المجتمع الغربي منذ الحروب الصليبية.

قبل الدخول في تناول قضية الهوية كان لابد من من العروج على تعريف الهوية، فالتعريف في حد ذاته يطرح العديد من الأسئلة:
هل الهوية تتمثل في التراث بمحمولها الثقافي والديني؟
أم أن الرمزية التاريخية تفرض نفسها بقوة على المجتمعات؟
وما هي علاقة الهوية بالعنف المتصاعد حول العالم؟
تعرف الهوية في كثير من الكتب والمراجع بأنها الخصائص التاريخية واللغوية والنفسية التي تؤدي إلى الفصل بشكل حاسم بين جماعة من الناس وأخرى.
 

يبدو لنا المشهد الحالي أن إشكالية الهوية تعود إلى السطح بعد موجات التغيير في الشرق الأوسط في الخمس سنوات الأخيرة

نلاحظ هنا أن العاملان التاريخي والجغرافي يلعبان دورا رئيسيا في تشكل الهوية، لكنهما يدخلانا في مأزق آخر، وهو أن التاريخي والجغرافي تحكمهما الصيرورة التاريخية، فالتدافع البشري مستمر ونزوح البشر من مكان إلى آخر لا يتوقف والأعراق في حالة من التصاهر والتمازج الدائم.

وهذا ما دعاني لتسميته بـ "فخ الهوية"، فإشكالية الهوية لن يتم حلها من منظور تاريخي بغرض التأصيل المعرفي والفكري والثقافي.

قضية الهوية مطروحة في عالمنا العربي منذ ظهور المستعمر -وكما أسميناها بصدمة الغرب- في الأراضي العربية والإسلامية والأفريقية وحتى الآسيوية منها، فمنها من تبنت القومية الدينية كالحركات الإسلامية ومنها من تبنت القومية العربية كحزب البعث والأحزاب الإشتراكية ومنها من تبنت الهوية الوطنية كالتيارات الليبرالية.

ويبدو لنا من المشهد الحالي أن إشكالية الهوية تعود لنا إلى السطح بعد موجات التغيير الهائلة في الشرق الأوسط في الخمس سنوات الأخيرة، وصعود بعض التيارات الإسلامية "المتطرفة والمعتدلة" من جهة ووصول العنف إلى أقصاه من جهة أخرى "الحكومات المستبدة" لنشهد الكثير من التداعيات والتجليات، لنتساءل: من هؤلاء ولم هذا العنف المبرر؟
فسؤال الهوية أصبح مرادفا لسؤال الديمقراطية ومدى مشروعيتها في المنطقة.

وبما أن التدين في المجتمع العربي كان حاضرا بشكل قوي كمكون رئيسي لثقافته وتمركز التراث العقائدي في المخيال العربي الإسلامي كانت السمة الأبرز لهذا المجتمع ليرى من خلاله تلك المجتمعات المختلفة، فكان حضور التاريخ والرمزية التاريخية بارزا بقوة في أذهان هذا المجتمع.

نستهل في المقال القادم بعض أرآء المفكرين والمثقفين حول الهوية أمثال طه عبد الرحمن ومحمد أركون والجابري وجورج طرابيشي وغيرهم، وكيف يمكننا تجاوز هذه الإشكالية من خلال نماذج حاضرة في عصرنا هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.