شعار قسم مدونات

املأ ورقتك بما يليق

blogs - تأمل فعل الكتابة المصدر: بيكسابي
بائسٌ هو حال ذلك الشخص الذي تنقر رأسه الخواطر والأفكار، ولا تسعفه موهبته في التعبير عنها بصورة جيدة من خلال نص كتابي مؤثر ومبهر، يحمل نفس هذه الدرجة من البؤس من يستطيع لملمة المفردات الساحرة والعبارات الأخاذة ونسجها ببراعة وفصاحة ولكنه في الوقت ذاته يفتقر إلى فكرة نبيلة أو محتوى ناضج يرقى بالمتلقي.

قديماً حذر جبران من أنصاف الأشياء، النصف الذي أراه يتجلى واضحاً في نص فقير وهش، يثير استياء القارئ الواعي الراغب في الانتفاع بما يقرأ، ولكنه أسفاً يجد نفسه أمام فراغ وهراء لا يفيده في شيء.
 

أخص هنا بعض الأقلام التي رغبت في اقتحام عالم الكتابة عنوة، وهي إما تملك نصف موهبة أو لا تملك شيئاً على الإطلاق، الأمر الذي يجعل القارئ يعاني الأمرين أثناء القراءة، ويفكر بعد ذلك ألف مرة قبل القراءة لهذا الشخص.
 

 هي ليست دعوة للكمال أبداً، وإنما دعوة لاحترام الكاتب لشخصه أولاً، واحترام القارئ ثانياً، وعدم الاستهتار بعقليته، وهي دعوة أيضاً لتوظيف الكلمة فيما يخدم المجتمع.

هؤلاء الذين يطرحون لنا يوماً بعد يوم نصوصا مفلسة، تحت مسمى "أدب الرواية" -على سبيل المثال- ظالمين بجهلهم هذا الصنف من الأدب، ظُلم يجعل من يملك عقلاً ولا يملك ثقافة واسعة عن فن الرواية وأهميته، يظن بعد وقوعه ضحية لأحد هذه الكتب، أن هذا النوع من الأدب ما هو إلا ضرب من العبث، ومضيعة للوقت فيما لا يعود على القارئ بأي منفعة.

في حين أن كثيراً من كبار الروائيين في الشرق والغرب أمثال غسان كنفاني، ورضوى عاشور، وتشيخوف وتولستوي وغيرهم، ناضلوا بالكلمة وسخروا هذا الأدب لإرشاد وتوجيه الشعوب، من خلال طرحهم لقضايا اجتماعية وسياسية وتاريخية هامة، تحمل في طياتها الكثير من الفضائل والقيم الإنسانية السامية، ولم يجدوا في فصاحتهم وبلاغتهم ذريعة لهم لعرض كتابات سمجة بلا محتوى.

وبالرغم من كل ما تحمله العبارات السابقة من عتاب، إلا أن القصد هنا هو الحث على امتلاك المواد الأساسية التي تبني نصاً قوياً ومتيناً، وهذه الأدوات تتمثل في الثقافة الواسعة، والبلاغة والفصاحة، وإتقان قواعد النحو والصرف، وثراء المحتوى وصدقه، وغيرها من الأركان والأسس التي تعين على إخراج نصٍّ أنيقٍ وذي قيمة.

يقول ابن الأثير: "اعلم أنّ للكتابة شرائط وأركاناً، أما شرائطُها فكثيرة وليس يلزم الكاتب أنْ يأتي بالجميع في كتابٍ واحدٍ، بل يأتي بكلِّ نوعٍ من أنواعها في موضعه الذي يليقُ به."، إذاً هي ليست دعوة للكمال أبداً، وإنما دعوة لاحترام الكاتب لشخصه أولاً، واحترام القارئ ثانياً، وعدم الاستهتار بعقليته، وهي دعوة أيضاً لتوظيف الكلمة فيما يخدم المجتمع. ويا ليتك تتبع نصائح ريلكه وفارغاس يوسا التي قدموها للناشئين من الكُتاب.

كما أن القصد من هذا اللوم هو عدم التعجل في النشر وإخراج كتابات مستهلكة تناقش قضايا ساذجة، لذا من الهام هنا التأني واستشارة أصحاب الخبرة، ومحاولة الكتابة في الخفاء لمرات عديدة تسبق طرح نصوصك على الملأ.
 

واعلم أن حفلات التوقيع ووجود اسمك على أغلفة الكتب، ليست بمغنم طالما ما كُتب يفتقر لأهم الدعائم اللازمة لخلق محتوى إبداعي وخلاق، فنهاية كل هذا أني أقوم بتمزيق كل ما كتبته إرباً، فرفقاً بي وبغيري من القراء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.