شعار قسم مدونات

إمبريالية الفكر العربي

blogs - League of Arab States
لم يبق في ذاكرة الطفل لدي من حلم القومية العربية غير بقايا من بقايا نشيد كان يلقنه لنا المعلمون العرب وأعني به "بلاد العرب أوطاني".
فما الذي قتل الحلم العربي فينا وجعل كل منا -كأقطار عربية- يتموضع على ذاته؟.. يقيني أن الجميع سيبادر للإجابة قائلا أن السبب في ذلك هو "الاستعمار"، الإمبريالية.
حسنا، لو سلمنا جدلا بأن تلك هي الإجابة المنطقية.. فأين نحن من ذلك الاستعمار الذي غادر الأوطان العربية منذ أكثر من نصف القرن؟.. نعم، أعي كغيري جيدا بأن الإمبريالية الغربية قد عملت جاهدة لتقسيم العالم الإسلامي لدويلات، حرصت أن تكون لكل منها حدودها الجغرافية قبل أن تذيل عائدة من حيث أتت.. لكن، نحن من حافظ على هذا الإرث العفن! وظل حريصا على ألا يطأ عربي آخر مساحته الجغرافية إلا "بفيزا" أي تأشيرة عبور.
 
أي أن الإمبريالية قد تحولت من كيانات أوروبية وغربية ماثلة للعيان ومحسوسة إلى حالة من التسكين في الذهنية العربية وواقعا من الحضور في الخطاب العربي المضمر وكذلك المعلن، فأضحى كل منا إمبريالي الفكر والنزعة، سواء في الرغبة ألا يشاركه عربي آخر ذات الموطن، أو من خلال رغبته -كحاكم- في أن يقتطع أجزاء من القطر العربي الآخر.
زاد ذلك في اغترابنا عن بعضنا ولم تعد حتى اللغة التي طغت على مفرداتها لهجاتنا المحلية وأصبحت تغرق في الغموض في منحاها الديالكتي قادرة على تجميعنا.. ربما كانت ومضة الأمل في تحقق ذلك قد تمثلت ذات يوم في الدعوة التي وجهها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عقب توليه زمام السلطة في مصر بعد ثورة -أو فلنقل تصحيحا انقلاب- 23 يوليو 1952م.. بيد أن دعوة ناصر لم يكتب لها النجاح حينها، وذلك ربما عائد لظروف العصر ولعدة أسباب أخرى من ضمنها أن دعوة ناصر التي عمل محمد حسنين هيكل على نشرها والترويج لها وفق بروبجندا موسعة كانت تتسم بعدم وضوح المعالم .
قد كانت في الأغلب مجرد لفظة سياسية تداعب أحلام وعقول الشعوب العربية أكثر منها دراسة واقعية محددة الأهداف والمنطلقات وتفضي إلى نتائج ومشروع سياسي قائم على أسس قوية وجلية، كما أن الرجل قد كان ينظر إليه من قبل البعض -العربي- بأنه يهدف من وراء دعوته تلك لتكريس زعامته العربية، في حين كانت العقلية الخليجية التي تملك المال، ترى في حلم الوحدة غامض الملامح تهديدا قد يعتم على وجودها ويجعلها مجرد كويكب يدور في مجرة ناصر.. في الوقت الذي تبنى فيه ناصر لغة مستفزة تجاه ملكيات ومشايخ الخليج، بل وعمد لتجاهلها وحرص على توجيه خطابه لشعوبها واتهمها بالرجعية واستعباد الشعوب الخليجية المغلوبة على أمرها.. ولو أخذنا إلى جانب ذلك أن بريطانيا وفرنسا كانتا لهما وجود في المنطقة في تلك الفترة فستتضح الصورة أكثر.
لكن الآن ومع جملة المتغيرات الجيوسياسية التي طالت العالم أجمع، ومع الحضور المؤثر للاقتصاد الذي أضحى هو صاحب الكلمة الفصل في العالم، وتوجه دول العالم الأول كي تشكل اتحادات وكيانات اقتصادية فاعلة وقوية، يحضرني سؤال مفاده، أي نحن من الإعراب؟
يقيني أن كل عربي حريص على أمته وعلى نمائها وتقدمها يعرف الإجابة!
فإن لم نتحد ولو كونفدراليا أو نشكل على الأقل اتحادات اقتصادية فاعلة ومؤثرة فيقيني أن المستقبل ليس لنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.