شعار قسم مدونات

أعراسنا الملتزمة.. ما عادت تشبهنا!

blogs - wedding
حيرة كبيرة يقع فيها شبابنا الملتزم عند التحضير لأعراسهم، وحرج يواجه الأسَر المحافظة عند إقامة أعراس أبنائها، حتى يكاد هذا الحفل السعيد المنتظر يتحول إلى مصدر ضغط نفسي، وكم سمعنا من عروسين سئما النقاش في ترتيبات الحفل بعد أن تحوّل لديهما إلى عبء نفسي.

سابقاً، كانت الأعراس تقام بشكل منفصل، قاعة للرجال يحتفلون فيها وأخرى خاصة بالنساء، فيتاح لهنّ خلع الحجاب وإظهار الزينة ولربما الغناء والرقص، ما دام الحضور نسائياً صرفاً، وفي ختام الحفل يحضر العريس بعد أن تنصرف المدعوّات من غير الأقارب، أو تلبسن وتخفين زينتهنّ، ليقوم العروسان بقطع قالب "الكاتو" والتقاط الصور سوياً.

للابتهاج أشكالاً عديدة، فلنخرج من الشكل الأوحد لحفل العرس، ولنرسم نحن مشهداً جميلاً يشبهنا ويتناغم مع ثقافتنا والتزامنا.

لكن هذا الأمان في الاحتفالات النسائية لم يعد متحققاً، بعد أن عكّره ذاك التطور التكنولوجي في أدوات التصوير لاسيما كاميرات الهواتف الشخصية، التي ألغت خصوصية الأفراد والمناسبات، وجعلت كل شيء مشاعاً في عالم مفتوح.

وإذا وعت النساء الملتزمات خطورة التصوير في الحفل فامتنعن عنه، فإننا لا نضمن امرأة غير ملتزمة، أو ملتزمة غير واعية، لا تعير اهتماماً لمسائل الستر والعورة، فتصوّر فلانة صديقتها وعلاّنة قريبتها.. وسيدتنا المصونة حتى وإن تعهدت بعدم نشر الصور وبالمحافظة عليها في هاتفها الشخصي، فمن يضمن أن لا يفتح زوجها أو ابنها هاتفها –عن حسن نيّة- ويستعرض الصور؟! والقصص في ذلك كثيرة.

أمام هذا الواقع، بدأت تتجه بعض الأسر الملتزمة إلى الأعراس المختلطة، بحجّة أن الاختلاط أقلّ ضرراً من أن تظهر للرجال الأجانب صورة امرأة ملتزمة وهي في كامل زينتها بدون حجاب، وأيضاً بحجّة أنه يمكن ضبط الأجواء من خلال إجراءات احترازية.

لكن التجربة أثبتت أن هذه الأعراس المختلطة "الممسوكة" لم تسلم من مخالفات شرعية عديدة، رغم حرص المنظمين على ضبطها، لاسيما إذا كان الحضور متنوّع الثقافات والقناعات. والنتيجة، أن كلا الحفلين (المنفصل والمختلط) فيه حرج الوقوع في مخالفات شرعية.

هذه الإشكالية المستجدّة في الحفلات النسائية – ونتحدث هنا عن الأعراس – لا ينبغي الاستسلام لها والتنازل عن ضوابطنا بحجة أنه واقع لا مفرّ منه، بل يتطلب الأمر ابتكار أشكال جديدة للاحتفال بزواج العروسين دون تجاوز الضوابط الشرعية، أو التعرض لمخاطر اجتماعية أدّت في بعض الحالات إلى الطلاق.

ونستغرب حين نسمع من بعض الأهالي الملتزمين جملة "حفلة وبتمرّ".. في دعوة للتغاضي عن المخالفات التي سيتخللها حفل العرس.

أمام هذا الواقع.. ما الذي يمكن فعله؟
نقول إننا من حيث المبدأ لسنا ملزمين بشكل معيّن للعرس، حيث بإمكاننا أن نرتب البرنامج الذي يتناسب مع قيمنا وضوابطنا الدينية.

التقاليد والعادات الاجتماعية؟ هي اجتهادية نسبية تختلف من بيئة لأخرى، وبإمكاننا التحرك في مساحة هذه العادات، بحيث يتلاقى أهل العروسين على برنامج مفرح وشرعيّ.

وهنا نسأل: ما غاية حفل العرس أساساً؟ أليس الإشهار وإظهار الفرح ومشاركة الأهل فيه؟ لست أمهّد للدعوة إلى عرس ديني تتخلله المواعظ وتنشد فيه الابتهالات الدينية.. حفل الزواج مناسبة فرح، ويجب أن نفرح فيها. لكن للابتهاج أشكالاً عديدة، فلنخرج من الشكل الأوحد لحفل العرس، ولنرسم نحن مشهداً جميلاً يشبهنا ويتناغم مع ثقافتنا والتزامنا.

ولتسمح لنا أخواتنا الملتزمات، إظهار الفرح ليس محصوراً بالرقص، والأغاني المنضطبة للأعراس باتت متوفرة بكثرة.

ولتسمح لنا أخواتنا مرة ثانية أن نسأل: ألا يمكن أن تفرح المرأة لصديقتها أو قريبتها إلا إذا وضعت من مساحيق التجميل على وجهها ما يجعلك تخلط بينها وبين العروس؟

سيقول البعض: لكن المرأة مجبولة على حب التزيّن ولفت النظر! هذا صحيح، لا اعتراض على خلق الله، لكن إذا تعارضت هذه الفطرة مع محظور شرعي، فلتجاهد نفسها قليلاً في الاحتفالات العامة حفظاً لدينها. ليست هذه الخسارة الكبيرة.

قديماً كانت تنشد في أعراس الرجال أناشيد "حماس" والانتفاضة، والآن قفزنا في بعض أعراسنا إلى هزّ الأكتاف والأرداف بحجة التعبير عن الفرح.

وكي أخرج من مساحة الكلام النظريّ إلى العملي.. أطرح، على سبيل المثال لا الحصر: فليكن الحفل عبارة عن عشاء في مطعم راقٍ (وهذه هي وليمة الزواج المسنونة في شرعنا)، دون رقص المشاركين، مع موسيقى أو أغانٍ خفيفة، فيدخل العروسان وسط زفة شعبية لفرقة فنيّة من الرجال، وتصفيق الحاضرين.. فيتصدّر العروسان على منصة، ويجلس الأقارب على طاولات مخصصة، والأصدقاء على طاولات مخصصة، جميعهم في قاعة واحدة، ويمكن فصل طاولات النساء عن الرجال، أو توحيدها للأقارب حصراً، مع فقرات فنية استعراضية وإنشادية لفرقة ما، وكلمة لطيفة لأحد أصدقاء أو أقارب العريس.. الأفكار عديدة، يمكن أن يبدع العروسان في اجتراحها في فترة قبيل الزواج.

قبل الختام، لا بدّ من لفتة حول حفلات الرجال، حيث يجتهد المشاركون فيها بالاحتفاء بالعريس وإظهار أجواء الفرح، وهذا أمر محمود طيّب، فتشتعل الدبكة وتلتهب الأكفّ بالتصفيق، إلى ما هنالك من أشكال ابتهاج.. لكن مؤخراً لاحظنا ظاهرة غريبة، حيث ينزل الرجل إلى حلبة الدبكة ويرقص كرقص النساء، في حركات غنج لا تليق برجل، فكيف إذا كان هذا الرجل ملتزماً ملتحياً؟ أحسب أن هذا الفعل لا يعبّر عن إظهار فرح بل ميوعة غير مقبولة، وعلى الرموز (الدينية أو الاجتماعية أو…) خاصة مراعاة مواقعهم، فالناس تنظر لهم غير ما ينظر للعامة.

قديماً كانت تنشد في أعراس الرجال أناشيد "حماس" والانتفاضة، والآن قفزنا في بعض أعراسنا إلى هزّ الأكتاف والأرداف بحجة التعبير عن الفرح.

أخيراً أقول: فلنعبّر عن فرحتنا في أعراسنا.. المطلوب منا أن نفرح في هكذا مناسبات، ونظهر الفرحة بأشكالها المتنوعة والمتعددة.. لكن بما لا يخالف شرعنا.. وأدام الله السعادة والهناء في بيت العروسين.. بالرفاه والبنين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.