شعار قسم مدونات

كرة القدم ليست مجرد لعبة .. وسيميوني يمتلك الدليل

blogs-رفيق

كرة القدم ليست مجرد مناهج تكتيكية، ورسوم خططية يمسك بخيوطها المدير الفني، هي أكثر من ذلك دون ريب، حينما نتمايل ونتماهى مع الإثارة التي تحفل بها المباريات، ونجد أنفسنا مشدوهين أمام ما تنبض به مجريات المقابلات، من فرط نديتها، فإن ذلك يتأتَّى بالشحنات النفسية التي تدب في دواخل اللاعبين، من رغبة وحماس وسعي حثيث لتحقيق الانتصار.

أن تصير مدربا بارعا، وقادرا على رسم مسارك نحو المجد، فذلك لا يقتضي إلمامك بالمناحي التكتيكية فحسب، وإجادتك لفن "الكوتشينغ"، أي إدارة المباراة والتعاطي معها على النحو الأمثل، بل يستلزم كذلك امتلاكك لمهارات في التواصل مع لاعبيك، وضبطهم على الإيقاع الذي تنشده.

عالم المستديرة مدرسة مكتملة الأركان، ننهل منها مجموعة من الدروس والعبر، تحثنا على التشبث بالتفاؤل رغم الأزمات، ومواصلة الاجتهاد في سبيل الإنجازات

بينما أخط هذه العبارات، لا يقفز إلى ذهني سوى مدرب أرجنتيني اسمه دييغو سيميوني، المشرف على العارضة الفنية لنادي أتليتيكو مدريد، لما يتمتع به من مؤهلات عالية في تحريك لاعبيه وتجييش عواطفهم، بمجرد كلمات مقتضبة، تُحدِثُ وَقْعاً شديدا على أفراد الكتيبة المدريدية.

كلما تابعت مباراة من مباريات الفريق الإسباني، ووقفت على حجم الشراسة التي يؤدي بها لاعبوه، ونهمهم البالغ للظفر بالنقاط، إلا وأيقنت أن الرجل يحسن شحذ همم أبنائه، وتعبئتهم بالرغبة الجامحة في الفوز، حتى ينتابك إحساس بأنهم قادرون على التهام العشب وافتراس المنافس، إن كان ذلك يكفل لهم تحقيق مرادهم.

المدارك التكتيكية لسيميوني قد لا تضاهي مدربين آخرين مثل بيب غوارديولا، فالأرجنتيني لا يبتكر كثيرا على الصعيد الفني، إنما يكتفي بممارسة الضغط العالي تارة أو دفاع المنطقة تارة أخرى، ثم لدغ الخصوم بالهجمات المرتدة والخاطفة، لكنه نجح رغم ذلك في حصد عدة إنجازات بلاعبين استطاع تحويلهم من "أحمال وديعة" إلى ذئاب مفترسة، فوقف بذلك ندا للند أمام مدربين يفوقونه زاداً بشريا وسيولة مالية.

سيميوني أثبت للجميع أن المدير الفني العصري لا تكتمل قيادته للمجموعة، إلا بتوفره على مقاربة يتداخل فيها ما هو فني بما هو ذهني ونفسي، فقد انقضى عهد ذاك المدرب الذي يجلس على دكة البدلاء، دون تحريك الساكن والانفعال مع أجواء المقابلة والتفاعل مع المردود الذي يقدمه لاعبوه.

دوما ما أجدني منحازا إلى المدربين الذين يماثلون سيميوني في تعاملهم مع اللاعبين، وأنا على يقين تام بأن "الكاريزما" والشخصية المتينة التي يحظون بها تختصر الطريق نحو القمة، وتُحرِّرُ أفراد الفريق من الضغوطات وأية مشاعر أخرى قد تكبلهم، إن كان المدير الفني قد نسج علاقة إنسانية ورياضية في آنٍ مع لاعبيه، ينصت على إثرها إليهم، ويرشدهم، ويشكل بالنسبة لهم الخيار الأول، إذا ضاقت بهم السبل وداهمتم الحواجز.

عالم المستديرة مدرسة مكتملة الأركان، ننهل منها مجموعة من الدروس والعبر، تحثنا على التشبث بالتفاؤل رغم الأزمات، ومواصلة الاجتهاد في سبيل الإنجازات، كما تفتح أعيننا على الصور المثالية لإدارة العلاقات الإنسانية، لذلك هي حياة مصغرة تعتمل فيها كافة الأحداث والمشاعر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.