شعار قسم مدونات

الألعاب الإلكترونية المظلومة

blogs - video games

كم امتلأت غضبًا عندما قرأت ما نشره الدكتور جاسم المطوع حول أضرار الألعاب الإلكترونية، واصفًا إياها بأنها سبب للشذوذ الجنسي والإرهاب، وكل ذلك من أجل أن يعلن عن خدمة جديدة يسميها "معين" مسلطًا الضوء على هذه الخدمة بأنها ستكون قارب النجاة لولاة الأمور الذين يريدون رعاية أولادهم.
 

في هذا المقال سأقوم بعرض المقال الذي نشره في كثير من المجلات والوسائط، ثم سأظهر لكم أساليب الخداع التي يستخدمها هو وغيره من "دكاترة التنمية البشرية" عن طريق التعليق على المقال:

يبدأ الكاتب بذكر قصة رائعة لجذب الانتباه والتي بطلها ابن صديقه ذو 13 عامًا والذي كان يأكل معهم على مائدة الطعام ومن ثم قرر فجأة أن يخبرهم بقصته الخرافية:

توجيه التهم بمسميات كبيرة "كالتدمير" و"الشذوذ الجنسي" دون ذكر ولا مثال حقيقي واحد! هذه المصطلحات تجذب انتباه القارئ وهذه خدعة أخرى يستخدمها الكثير من الكتاب.

"أنا ألعب يوميًا ساعة بالألعاب القتالية الإلكترونية، وفي كل مرة ألعب فيها يلعب معي أصدقاء تعرفت عليهم وأتواصل معهم عبر النت، ودائمًا أفوز عليهم لأني احترفت إصابة الهدف، فكل إصاباتي دقيقة ونادرًا ما أخطئ، وفي يوم من الأيام كلمني أحد الأصدقاء عبر النت عن احترافي بالإصابة وقال لي أنت متميز ورائع في إصابة الأهداف فما رأيك أن ننقل اللعب القتالي من الخيال إلى الواقع؟ فلم أفهم ماذا يقصد فقلت له: كيف ننقل لعبنا من الخيال إلى الواقع؟ فقال: نختار بلدًا ونسافر إليه ونطبق ما تعلمناه في اللعب الإلكتروني القتالي على الواقع، فقلت له: لم أفهم ماذا تقصد؟ قال: أسافر أنا معك إلى سوريا ونلعب مثل هذه الألعاب ولكن على الناس هناك لأنك أنت متميز في القتال وإصابة الأهداف إلكترونيًا، ولكني أريد أن أراك بنفس التميز هذا واقعيًا."

طبعًا المقال نشر في جريدة اليوم وعلى قناة العربية، والموقع الشخصي للدكتور، ورواد هذه المواقع الثلاثة ربما لم يلعبوا لعبة إلكترونية في حياتهم، وأي حديث يسمعونه عنها سيقبلونه كحقائق فورًا، لذا لن يتطلب من الكاتب أن يضع أي دلائل علمية على كلامه.

يقول الكاتب في الجزء السابق، أن سبب عرض "الإرهابيين" على الطفل الانضمام إليهم، هو جودة تصويبه في الألعاب! وربط بين هذه الجودة في التصويب، بمهارة التصويب الحقيقي، وكلاعب لألعاب الفيديو، أحب أن أخبر الجميع أن لا علاقة بين الاثنين تمامًا والمعرفة في أحد هذه المهارات ليست أبدًا متعدية إلى المهارة الأخرى على الإطلاق.

فالتصويب في الألعاب الإلكترونية ليس سوى تحريك لمؤشر يشبه "الفأرة" إلى منطقة الهدف ومن ثم ضغط أزرار الفأرة، ولا يعقل لشخص أن يربط بين هذا والتصويب على أرض الواقع. القول بذللك، كالقول بأن لعب لعبة كرة القدم الإلكترونية يزيد من أدائك الرياضي على أرض الواقع!

لنكمل ما قال الكاتب معًا:
"ومن خلال بعض الألعاب القتالية يتحول الطفل إلى مشروع للتدمير والتفجير، أو يتبنى أفكارًا وأخلاقًا منافية لديننا ومعتقدنا مثل ما حصل لكثير من الألعاب التي تبث الشذوذ الجنسي ويدعمها كذلك في غرس هذه المفاهيم الأفلام والمسلسلات"

أتعلمون ما المشكلة هنا؟ توجيه التهم بمسميات كبيرة "كالتدمير" و"الشذوذ الجنسي" دون ذكر ولا مثال حقيقي واحد! فهذه المصطلحات تجذب انتباه القارئ وهذه خدعة أخرى يستخدمها الكثير من الكتاب في مجال التنمية البشرية، إضافة إلى ذلك: لو كانت هذه الألعاب موجود على أرض الواقع، لم لا تذكر أسماءها حتى تحذر ولاة الأمور منها؟ شخصيًا أعتقد لو سألت الكاتب أن يعدد أسماء أي ثلاث ألعاب إلكترونية لن يستطيع أن ينطق بشفة.

على أي حال، مازال عند الكاتب مزيد:
"ولعل آخرها ما فعله اليهود بطرزان عندما جعلوه شاذًا جنسيًا. فالشذوذ بنوعيه الجنسي والديني صار هدفًا للشركات والدول للبرمجة العقلية للجيل القادم، والتركيز على الأطفال في غسيل دماغهم بهذه المنتجات الجديدة حتى يكونوا شاذين جنسيًا أو متطرفين دينيًا، فإذا نجا الطفل من الشذوذ أو التطرف الديني سقط في حبال الحشيشة والمخدرات، فهذا الثلاثي المدمر قادم علينا بدعم دولي لرسم خريطة بشرية جديدة للحياة."

مع أني لم أستطع أن أتوقف عن الضحك عندما قرأت "ما فعله اليهود بطرزان عندما جعلوه شاذًا جنسيًا"، ولكني رضيت أن أعطي للرجل على مضض فرصة، فقد يكون محقًا، فقمت بالبحث في محرك جوجل عن هذه المصطلحات معًا باللغتين العربية والإنجليزية ولم أجد أي شيء عن طرزان شاذ أو يهودي، ولماذا يريد اليهود فعل ذلك أصلًا؟! أليس في اليهودية ما يحرم الشذوذ الجنسي؟ يبدو أن مصطلح اليهود ورغبتهم في تغيير العالم يثير القراء ويعطي فرصة لانتشار المقال أكثر.

ويختم الكاتب هذا المقال اللامنطقي بالطبع بالإعلان عن خدمته الجديدة، فهذا السبب الحقيقي لهذا المقال:

لطالما كانت الألعاب الإلكترونية فريسة للنقد الغير منصف، ولطالما نسبت إليها كثير من المشاكل في المجتمع، وذلك يكون عادة للتهرب من الأسباب الحقيقية لهذه المشاكل.

"وأهم شيء للحفاظ على قيم أبنائنا أن نلعب معهم ونحسن الحوار معهم فمن خلال اللعب والحوار نتعرف على الأفكار والقيم التي تصل إليهم، وختامًا نستعين بخدمة «معين» التربوية من خلال إيصال قيمة أسبوعية للمربين مع وجود خدمة الاستشارات التربوية لتعزيز القيم والأخلاق."

وعند البحث عن خدمة معين هذه وجدت موقعها الإلكتروني، وهي عبارة عن رسائل تصلك أسبوعيًا تعلمك عن التربية، ويصل سعرها لـ200 دولار سنويًا. لا أدري أي سيناريو أسوأ، وجود هذه الألعاب على أرض الواقع، أم وجود "دكاترة تنمية بشرية" يلعبون بأحاسيس الناس لربح الأموال منهم؟ ولأن السيناريو الثاني مجزم به، ربما علينا اتخاذ إجراءات لحماية أنفسنا وأولادنا من هذه الأكاذيب أولًا.

نصيحتي لمن يقرأ المقالات المنتشرة هذه الإيام، أن لا يدع اسم الكاتب ومكانته أن تعطي أي صحة للمقال ذاته، إنما يستخدم عقله النقدي دائمًا في استقبال الحقائق، لا سيما الحقائق المتعلقة حول الأمور التي لا يعلم عنها الكثير، ففي هذه يسهل الخداع.

لطالما كانت الألعاب الإلكترونية فريسة للنقد الغير منصف، ولطالما نسبت إليها كثير من المشاكل في المجتمع، وليس هي فقط، بل أغلب وسائل الترفيه وذلك يكون عادة للتهرب من الأسباب الحقيقية لهذه المشاكل، فدعنا نتخيل معًا ردة فعل ولي أمر عندما يرى تصرفًا غير متوقعًا في ابنه، فلا يستطيع هو تحمل المسؤولية، لأن في ذلك اعترافًا منه بتقصيره في حق ابنه، ولا بإمكانه رمي المسؤولية على ابنه، لأنه يراه ملاكًا لا يخطئ، إنما يسهل عليه جدًا أن يرمي اللوم على البيئة من حوله، كالمدرسة والأصحاب ووسائل الترفيه والمجتمع ذاته!

للمهتم بقراء مقال الدكتور
http://bit.do/jasim  

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.