شعار قسم مدونات

مسار الطبقية عند المسلمين من العرق إلى الدين

blogs-مسلم

عانت الإنسانية لفترة طويلة في تاريخها من أزمة التمييز العرقي، وكانت درجة الأعراق تصعد وتدنو بالتوازي مع وزنها الحضاري والعسكري، وقد حدثنا التاريخ بأن الشعوب القوية عسكريا تعتدي وتستولي على الشعوب الضعيفة وبالتالي تستعبدها وتتمايز عليها عرقيا.

الإسلام بتشريعاته المتعددة وضع أول السبل للقضاء على التمايز العرقي، ليس بتجفيف مصادر الرق فقط بل بجعل الناس سواسية لا فرق بين أنسابهم وأعراقهم، ولكن بالرغم من أن الإسلام جاء ليخرج الناس من ظلام الطبقات العرقية، وجعل الناس سواسية في الأصل.

الانتساب لآل البيت لا يرفع مقاما ولا يزيد صاحبه فضلا عن غيره، فعلى المشفقون على مستقبل الإسلام كدين عالمي الانتباه لمثل هذه الثقافة التي تصنع أصناما جديدة في القرن العشر

أصر المسلمون في تاريخهم القديم والحديث على صناعة طبقات جديدة ولكن هذه المرة على أسس دينية فأخرجوا الناس بذلك من ظلمات الأعراق إلى ظلمات البيوت الدينية، فصار الناس باسم الدين يلقبون بالأشراف نسبة لانتسابهم لبيت النبوة ولهم من القداسة بالوراثة ما ليس لغيرهم من العامة عربا وأعاجم ممن فاتهم حظ الانتساب بدمائهم لرسول جاء بدين أساسه المساواة.

وفي تقديري أنها ظاهرة تخلف جديدة لا تفرق بين مقصد الرسالة من توحيد الله والتساوي أمامه بالانتساب لأصل واحد وبين ظلمات الجهل التي أصرت إلا أن يكون الناس طبقات بعضها يعلوا فوق بعض.

بالرغم من عدم وجود آية في كتاب الله ولا حديثا واحدا من الأحاديث النبوية الشريفة تصرح بأفضلية أحد على أحد، إلا أن عجل السامري عاد بقبضة من أثر لا نعلم أصله، فنسي المسلمون أصل الرسالة وتعبدوا بما ليس فيها.

بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزع الخليفة الأول أبوبكر الصديق ورثة النبي عن فاطمة الزهراء رضي الله عنها استنادا إلى نص نبوي يصرح بأن الأنبياء لا يورثون، ولم يعهد عن أحد من الصحابة -رضوان الله عليهم- أي تقديس خاص لبيت النبوة، فكانوا أمام القانون سواء كما هم أمام الله سواء، فعرفوا المقصد وأحسنوا الفعل.

والمحزن تاريخيا، أن كثير من الحكام في عهد المسلمين السابق والحاضر استندوا في شرعيتهم لحكم الناس على انتسابهم لبيت شريف يرجع إلى رسول الله، ولا أدري هل فات على أصحاب ذلك الزعم أن الانتساب نسبا لبيت النبي يجعلك بالضرورة منتسبا لأبي لهب.

الانتساب لآل البيت لا يرفع مقاما ولا يزيد صاحبه فضلا عن غيره، فعلى المشفقون على مستقبل الإسلام كدين عالمي الانتباه لمثل هذه الثقافة الجامدة التي تصنع أصناما جديدة في القرن العشرين، ذلك القرن المحتشد أصلا بالحضارة المادية وموجات الإلحاد باسم العقل والتفكير.

يتبرأ العالم كله اليوم من تجارة الرقيق ويعتبرها المؤرخون عارا على جبين الإنسانية، فمنذ أن أعلنت الدول الأوربية في مؤتمر فينا عام 1814م معاهدة منع تجارة الرقيق ومرورا بميثاق حقوق الإنسان، وكل البيانات الأممية التي جعلت الطبقية أمرا محرما، انتفى التمييز في العالم كله عدا إسرائيل طبعا والتي بطبيعة الحال لا تعتبر مثالا يحتذى به، فلا يجدر بالمسلمين حملة الرسالة أن يصنعوا تمييزا آخر يجعل الناس أشرافا وغير أشراف.

يتدافع النشطاء قديما وحديثا من لدن مارتن لوثر كنج المناضل عن حقوق السود في الولايات المتحدة ومرورا بنيلسون مانديلا وحتى اليوم ضد التمييز، ومن العار على المسلمين كأمة تفتخر بدين يقف بشدة ضد الطبقية أن يصنعوا طبقات جديدة على أسس دينية.

كلكم لآدم وآدم من تراب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.