شعار قسم مدونات

سيناريوهات المجتمع الموصلي بعد التحرير

blogs-الموصل

لا يخفى على الشعوب الحرة مقدار الأسى على الوضع العراقي البائس في مدينة الموصل حيث الحصار الذي لا يرحم إنساناً ولا حيوان بل كل المؤشرات تعلن مخاوفها حول الآثار الخطرة التي ستعصف بالتوقعات مع اشتداد الأنباء الناقصة عن الوضع الداخلي للسكان وسط موجةٍ مرعبةٍ من الاحتمالات الضبابية التي أحدثت سلسلة من القلق المستمر في المجتمع الموصلي مهددة ً آمال العيش من جديد محذرة ً بذلك عدم الاستعداد الفوري للأزمة التي ستتطلب قرارات استراتيجية حاسمة لذا كان من الضروري توضيح السيناريوهات القادمة بشكل موجز.

اللعبة السياسية:
كلما تأخرت عمليات تطهير المدينة من قبضة داعش كلما تشابكت الأوراق السياسية في المنظومة الدبلوماسية التي تتبادل الاتهامات بهدف تصفية الحسابات قبل العودة إلى الداخل.

هذه القرارات السياسية تنبع من إرادات أجنبية تتحكم الولايات المتحدة الأمريكية بأهدابها لتوزع الكعكة العراق بين اللاعبين الأساسين وهنا ستقدم أرض الموصل كنصيب دولي إلى تركيا بمساعدة الحكومة الكردية المتمثلة بإقليم كردستان فتمارس تركيا أعمالها السياسية حنينا ً إلى ولاية الموصل التي كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية مستخدمة رجالها في تحريك مصالحها.

الجدير بالذكر مما لا يعرف خطورته سكان الموصل هو رجوع أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق إلى الحكم بدعم أمريكي تركي وبرغبة جماهيرية لا تريد الاستيقاظ من غفلتها وسط كلمات عاطفية يستخدمها محافظها النجيفي الذي فشل بحماية المدينة قبل ثلاث أعوام ليختاره الموصليون ليدير شؤون المدينة مرة ثانية.
 

كيف سيصمد النظام العلمي مع فقدان شريحة كبيرة من الطلاب شهاداتهم و قد ضاعت سنوات دراستهم و باتوا في جوع كاسح.

الملف العسكري:
لا يرغب سكان الموصل تكرار مشهد الانفلات الأمني إذ ينطلق هذا التغيير من وعي شعبي لا يقبل إعادة معاناة العيش في ظل حماية الجيش العراقي القادم من المحافظات الجنوبية و الذي كان يحقد على أهالي الموصل فيهين الجنود و الناس و ينتهكون أعراضهم والمعضلة الأكبر هي تواطؤ القيادة العسكرية و فساد مؤسساتها التي كانت تتعامل مع تنظيم القاعدة سابقا ً فكان الجيش يسهل على مسلحي القاعدة تنفيذ الاغتيالات وعمليات الاختطاف عبر فتح الطرق لهم ثم اللدغة الأخيرة في حزيران 2016 و تسليم مقاليد الحكم على طبق من ذهب لتنظيم داعش فسقوط نينوى بالكامل.

كل هذه الممارسات العسكرية أدت إلى رفض الشارع الموصلي للجيش بشكل قاطع لا يقبل التفاوض على مستقبل المدينة ما يدفعهم إلى تشكيل وحدات محلية لحماية الشعب تتكون من أبناء المدينة ثم توكل إليها مسؤولية الحفاظ على أرواح المواطنين و ممتلكاتهم تحت قيادات موصلية خالصة.
 

الحياة الاجتماعية:
يتكون المجتمع الموصلي من تسع طوائف مختلفة العقائد و العادات و التقاليد يمثلون بمجموعهم3521000 نسمة، يتأقلمون في بيئة تشاركية تؤمن بالتنوع و التعايش السلمي دون حروب أهلية إلى أن جاء تنظيم داعش وغزا بجبروته الأعمى أركان الحياة فقتل المسلمين وهجر المسيحيين واغتصب الأيزيديات و حرق بيوت الشيعة ما أثار احتقانات طائفية تتوعد بالانتقام حينما تقرر العودة إلى الديار ما يؤدي إلى اختلاط الحق بالباطل نتيجة تحمل أقرباء أفراد التنظيم المسؤولية فربما يدفعون الثمن باهضاً وهم ليس لهم أي صلة بالداعشين مع احتمالية انبثاق قتالات فردية بين مكونات المجتمع وهذا ما قد يثير أزمة اجتماعية لن تغلق إلا بالدماء إن لم يتدخل المجلس الدولي والحكومة العراقية بتقييم الوضع و حله قضائياً باستخدام أحكام منظمة توازن الحقوق.
 

المستقبل التعليمي:
سيصل عمر الانقطاع التعليمي للطلاب إلى ثلاث سنوات دمرت أحلام الموصليين وزرعت بوادر اليأس في عقولهم دونما يشعرون فكيف سيصمد النظام العلمي مع فقدان شريحة كبيرة من الطلاب شهاداتهم و قد ضاعت سنوات دراستهم و باتوا في جوع كاسح لا يمنحهم الفرصة ليواصلوا تعليمهم بل ليفتشوا عن لقمة العيش فقط.

أما الأطفال الذين أصابهم الجهل في مرحلة ابتدائية من تعليمهم ستكون الأزمة سبباً لتقاعسهم عن الدراسة و خصوصاً إذا ما امتدت إلى سنتين إضافتين و فرض واقع الحال بعدم تساوي الغائبين عن المقاعد الدراسية لتخلق فجوة استثمارية للموارد البشرية الصغيرة و ترتفع معدلات التخلف بعد أن كانت الموصل موطناً للعلوم و الثقافات والفنون.
 

الشباب ينحرون قضاياهم باليأس المسيطر على حياتهم إذ سيصلون إلى مرحلة فقدان الثقة الكاملة بأنفسهم فيقررون ترك هذا الوطن  ويهاجرون إلى المجهول

التحول الديني:
من الملاحظ عبر التاريخ القديم أن مدينة الموصل تحافظ على التزامها الديني مولدة ً أجيال قرآنية تنشر الإسلام والحب في العالم أجمع فضلاً عن صيانتها لحقوق المكونات المجتمعية الأخرى من منطلق القيم والمبادئ الإسلامية المعتدلة إلا أن تنظيم داعش شكَّل صورة نمطية مشوهة عن هذا الدين الحنيف ليصدم الشباب بأحكام متجزئة مغلوطة الفهم ما ساهم بتشكيل تنبؤ مستقبلي وثيق بإمكانية حدوث نقلة خطيرة في قناعات الشباب باتجاه الإلحاد والأثار الأخلاقية المضطربة التي ستتبع الإلحاد كردة فعل لممارسات داعش باسم الدين.
 

المستقبل التعليمي :
ماذا تنتظر من أطفال يستيقظون في منتصف الليل على صواريخ طائرات التحالف الدولي و يصبحون على نيران تنظيم داعش وقوانينهم العنجهية. أما يكفي ألم ضياع الطفولة بأن يمنحهم العنف في أعماقهم فلا يحلمون إلا بالدماء.

والشباب ينحرون قضاياهم باليأس المسيطر على حياتهم إذ سيصلون إلى مرحلة فقدان الثقة الكاملة بأنفسهم فيقررون ترك هذا الوطن القاسي و يهاجرون إلى المجهول بهدف واحد هو كره الوطن و كره من يعيش على أرضه إضافةً لرخاوة أرواحهم التي ستنبذ الأمل و تحاربه بالجلوس و انتظار الموت السريع فينهار كيان المجتمع و تخور قوته بضعف شبابه ويندثر مشروع الإصلاح الجديد قبل ولادته.
 

من المسؤول و من المنقذ ؟
لا يهم … هذا ما يدركه فقط أهالي مدينة الموصل إذ لا يكترثون الآن من كان المسؤول عن قضية أسر المدينة ولا يأبهون لمن سيكون المنقذ لأنهم باختصار باتوا لا يثقون إلا بربهم.

هكذا يتعامل الموصليون مع أزمتهم الحالية مقدمين أرواحهم الغالية ثمناً لنزاعات عقيمة في البرلمان العراقي الذي يبحر على سفن المصالح الخارجية في المعمعة السياسية التي تحاول تنفيذ برامجها الاستئصالية تخليداً لتاريخها المدجج بالخراب.
 

المرحلة القادمة :
تحرير الموصل سيكون ملفاً شائكاً يحتاج إلى مراقبة حساسة لأهمية المدينة الاستراتيجي والعلمي والجغرافي في المنطقة، لذلك يجب أن تتظافر الجهود لتكوين قوة أمنية محلية تحمي المدينة والشعب الموصلي من تكرار حالات احتلال جديدة إضافة لتأسيس منظمات توعوية متنوعة الاختصاصات تستعد لمقابلة المشاكل المختلفة فتعالجها بوسائل مرنة ودقيقة مع ضرورة ترسيخ أفكار النهضة عند الشباب للعودة وإنقاذ المجتمع وإصلاحه بهمة عالية إضافة إلى ضرورة تقديم تعويضات للمتضررين بشكل معنوي و مادي.

ذهاباً إلى ترميم الجراح النفسية وإحياء الأمل ثم مقاومة المشاكل الاجتماعية عن طريق قضاء عادل والأهم توحيد الأهداف السياسية بشكل يصب في مصلحة إدارة المدينة بشكل مشترك بين الحاكم والشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.