شعار قسم مدونات

حسين ينتظر علبة الشوكلاته

blogs-مخيم

وصل حسين وهو طفل نازح من الحويجة، قبل يومين إلى ديبگة وهو -مخيم للنازحين بأطراف اربيل شمال العراق- كان منظره وهو حافي القدمين يبعث في النفس شعوراً بالخجل أحسست بأني المسؤول عن وضعه المأساوي في المخيم. سألته ما اسمك ؟؟ فأجاب: حسين، "حسين اسم جميل يذكرني بما حدث لسبط رسول الله الحسين "رضي الله عنه" وهو يقطع الصحراء متجها إلى أرض الكوفة، تلك الرحلة التي انتهت بموته عطشاً مقطع الأوصال" قلت له.

أعطيت حسين "قالب شوكولا" فتناولها من يدي بلهفة وفرح بدت واضحة على وجهه المشعث بتراب المخيم، ثم ذهب راكضاً لأقرانه يخبرهم بهديته الثمينة "الشكولاتة"، وأنا أشيعه بنظراتي محاولاً إخفاء ابتسامتي. عدت الى الزملاء في قافلة الإغاثة التي سيرها الخيرون في المشروع العربي والتي دخلت معها مخيم ديبكة للمشاركة في توزيع الملابس والطعام وبعض المستلزمات المنزلية الضرورية.
 

لم أتمالك نفسي وأنا أنظر الناس يحتشدون أمام أسلاك تفصل ساحة مركزية تضم كرفانات للتنسيق وإدارة المخيم عن خيامهم، دموعي خير جواب عما شعرت به وأنا أرى أعزة القوم وقد صاروا أذلة في وطنهم

دعوني أحدثكم عن مخيم ديبكة، فهو باختصار كتلة من الخيام المحشوة بالنازحين، أطفال، نساء، شيوخ، شباب وبعض من مريدي الخير المحسنين. شاهدت معاقين في ذروة شبابهم، ومقعدين في أرذل عمرهم، وما أدهشني اني رأيت عدد من الأطفال بلا أطراف وبعضهم فقد بصره، ورغم وضعهم كانوا يضحكون ويلعبون بشيء من "اللاشعور" بما هم فيه.
 

رقية ذات الـ 11 ربيعاً كانت تسير برفقة أبيها يدها بيده ولا تحس بشئ سوى الظلام رغم شعاع الشمس الساطع، كانت الطفلة التي لم ترى كيف تعيش في ديبكة وشكل خيمتها وما أحضر لها الخيرون في المشروع العربي من ثياب، كانت كفيفة، كانت سعيدة وهي تسمع والدها يكلمني عن حالتها ويطلب المساعدة بإيصال حالتها إلى أهل الخير والإحسان، و أنا أسجل بيانتها وأتسلم تقاريرها، لمحتها تجر بثوب والدها "الدشداشة" وتقول له "راح تخلوني أشوف"، كانت فرحة للغاية.

لم أتمالك نفسي وأنا أنظر الناس يحتشدون أمام أسلاك تفصل ساحة مركزية تضم كرفانات للتنسيق وإدارة المخيم عن خيامهم، عجزت عن الكلام فلقد كانت دموعي خير جواب عما شعرت به وأنا أرى أعزة القوم وقد صاروا أذلة في وطنهم، كيف كانوا و كيف انتهى حالهم الى تلك الخيام البالية!
 

شارف يومي على الانتهاء بين خيام مخيم ديبكة التي يتمدد يوما بعد يوم، وأنا مهموم القلب أسير التفكير بالمجهول الذي ينتظر أهلي في الخيام. وفجأة ! سمعت صوت طفولي تردد من خلفي قائلاً: شكراً على "النستلة" في المرة القادمة أجلب لي علبة كاملة لكن لا تسلمها لي هنا في ديبكة بل هناك في منزلي بالحويجة.
 

وسرت روح التفاؤل في نفسي وتبدل اليأس لدي بالأمل والفجر القريب الذي ينتظر حسين وأقرانه وباقي قاطني المخيم وبشيء من اللا شعور أجبته: إن شاء الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.