شعار قسم مدونات

عن المشهد المواطني العربي!

blogs-المواطنة

يشهد عالمنا العربي في الفترة الأخيرة مخاضا من الاضطرابات غير مسبوقة قد فتحت جراحا في عدة جبهات للهلال العربي الذي لم نحلم يوما أن يكون قمرا بل حلمنا أن يكون هلالا متحدا معافى، ولكن هيهات بين التمني وبين واقع مرير نقبع أمامه متسائلين عن بلاد العرب بأي ذنب خرب؟!
 

لقد عاشت وتعيش دولنا العربية اليوم مرحلة صعبة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تواجهها الحكومات بمفردها من دون وعي مجتمعي! فالوعي المجتمعي شرط أساسي وجوهري في سبيل تحقيق ذلك الدفع للحكومات والسلط المحلية وتوفير تلك الأرضية الملائمة لإطلاق العنان للخطط والأفكار والسياسات التي يمكن أن تواجه بها الدولة المشاكل العامة الموجودة داخلها.
 

ومن هنا تحديدا نتحدث عن شروط المواطنة الفاعلة والوعي الفردي التي وللأسف نفتقدها كثيرا في بلداننا العربية، أين نحمل كل ما يدور بنا من أوضاع للحكومات وتصرفاتهم ناسين أو ترانا متناسين قول الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام "كيفما تكونوا يولى عليكم"، ويبدو جليا أن مفهوم المواطنة لدينا مازال ضبابيا وبعيدين كل البعد عن تطبيق أدنى متطلباتها وشروطها.
 

أول إصلاح وأول مرحلة في بناء مشهد مواطني عربي فاعل ينطلق من ثورة إصلاحية في سياسات التعليم والنظام التربوي الذي اهترأ في أغلب بلداننا إلى حد تذيل التصنيفات العالمية

وهو ما يجعلنا في هذا المقال نعيد طرح تعريفنا للمواطنة على أنها في المقام الأول انتماء إلى وطن تسوده علاقات مبنية على احترام الحقوق والالتزام بالواجبات، لكنها ليست مجموعة من القوانين المضبوطة والمتصلة بعلاقة الفرد بالدولة فقط وإنما هي أيضا تعبير عن حياة جماعية قائمة على روابط تشريعية وسياسية وثقافية وإنسانية واحترام كينونته.
 

أما ما يتميز به "المشهد المواطني العربي" هو عطب صارخ في الاجتماع والثقافة والسياسة وفي الحريات الفردية والجماعية وفي المشاركة المدنية والسياسية مما ولد استشراء لا مثيل له من حالات الانقسامات العرقية والمذهبية والاثنية.. وغيرها، وهو ما أدى الى تجلي أزمة مواطنة بمثل ما وصفها الباحث التونسي مصباح الشارني.
 

ولعل هذه الأزمة تتجسد خاصة في ثلاث تجليات لها:
أولها أزمة في المشاركة السياسية رغم الثورات العربية المتتابعة ويمكن أن يعود ذلك إما لمعوقات أسرية وتربوية أو معوقات اجتماعية وثقافية وكذلك معوقات سياسية وقانونية.

أما الأزمة الثانية فتتمثل في غياب ثقافة الاختلاف والديمقراطية علاوة على فشل مؤسسات المجتمع المدني في تأطير المواطن، فالناظر مثلا إلى المجتمع المدني التونسي من حيث العدد والكم يجد إطرادا منقطع النظير في عدد الجمعيات والأحزاب والمنظمات ما بعد الثورة.
 

لكن يبقى هناك احتراز كبير فيما يتعلق بالكيفية والنوعية التي تشتغل بها هذه المكونات التي اعتبرها قد أخفقت في العالم العربي نظرا لعدم توفر الوعي المجتمعي والسياسي اللازم للمرحلة، وبالتالي وجب في ختام هذا المقال أن نقول إن ما حصل من ثورات في دولنا العربية وهذا النفس الجديد الذي بإيجابياته وسلبياته قد أعطى للشباب والمواطنين العرب فرصة في أن يكونوا فاعلين في وطن كثر فيه القول وانعدم فيه الفعل.
 

فكل هذه التحولات إن لم تلازمها تغيرات ثقافية واقتصادية واجتماعية فلا يمكن بأي حال من الأحول أن تتشكل المواطنة داخلها والتي تقوم بدورها على قيم الحداثة السياسية الحقيقية في الفكر والممارسة، وإني لمن شديدي الإيمان أن أول إصلاح وأول مرحلة في بناء مشهد مواطني عربي فاعل ينطلق من ثورة إصلاحية في سياسات التعليم والنظام التربوي الذي اهترأ في أغلب بلداننا إلى حد تذيل التصنيفات العالمية.
 

ولعلي أكتب كثيرا عن أهمية المواطنة في الوطن العربي لاعتبارها الخلاص الوحيد، حتى نرتفع من حضيض الاختلافات المذهبية غير المبنية على أسس فكرية وثقافية إلى فضاء الحوار الوطني الجامع في مناخ مواطني فاعل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.