شعار قسم مدونات

حَدِّث​ْ​ ​بِحَرَج!

blogs-الأطفال

كانت​ْ​ ​تقرأُ ​​روايةً تحملُ اسماً ​​إيحائياً سيئاً، وهي ​لم تتجاوز​ْ​​ المرحلةَ​​​ الإعدادية، ​سألتها​ كمدرستها عن معنى اسم​ِ​ الرواية؛ فلم ترد​ْ​ ​جواباً و بدت​ْ​ محرجة.. أخبرتها أن​َّ​ هذه الرواية لا تناسب​ُ​ سنها و لا نسمح​ُ​ لها بإحضارها إلى المدرسة.

​ إنَّ​ ​ضغطاً ​يمارسُ على الأطفال يسميه ​علماءُ النفس "الضغط التطوري" ويشيرُ إلى فرض​ِِ​ ​خبراتٍ ومعارفَ على الأطفال تفوق مستوى تطورهم (نموهم) النفسي والعقلي والاجتماعي والمعرفي؛ فالنمو بحسب العلماء تدريجي لجميع جوانب الفرد (النفسية والعقلية والإجتماعية والمهارية.. إلخ) وليس فقط النمو الجسمي الظاهري؛ فكل شيء سينمو تدريجيا​ً​.

إن​َّ​ كثيرا​ً​ مما يعرض​ُ​ بشكل​ٍ​ فادح​ِِ​ السوء عن علاقة​ِ​ المرأة​ِ​ والرجل مثلا​ً​ لا يلقى قبولا​ً​ عاما​ً​ لدى الأطفال ويثير​ُ​ الاشمئزاز​َ​ أحيانا​ً​ لكثير​ٍ​ منهم لعدم قدرتهم على فهم طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة التي لا تتناسب​ُ​ مع المرحلة​ِ​ النمائية​ِ​ العقلية​ِ​ والمعرفية​ِ​ التي يمرون​َ​ بها؛ فتتسبب​ُ​ مثل​َ​ هذه المشاهد​ِ​ بالضغط​ِ​ التطوري​ِ​ على الأطفال.

وقوع​ُ​ فرد​ٍ​ يقل​ُ​ عمر​ُ​ه عن ​ثمانيةَ عشرةَ عا​ماً في جريمة​ِ​ زنا مثلا​ً​ لا يعبر​ُ​ فقط عن الذنب​ِ​ والخطيئة؛ لكن​ْ​ يشير​ُ​ أيضا​ً​ إلى خلل​ٍ​ ​​​معرفي​ٍ​ من مسبباته ضغط​ٌ​ تطوري​ٌ​ تعرض​َ​ له هذا الفرد​ُ​ ​أدى إلى اضطراب​ٍ​ في ​صحتِه النفسية.

هذه الفوضى التي تعم​ُ​ وسائل​َ​ الإعلام​ِ​ العربية​ِ​ والتي تضغط​ُ​ على المنظومة​ِ​ المعرفية​ِ​ التطورية​ِ​ للأطفال وباتت تتفوق​ُ​ في ​أغلبِها​​ " تجارة​ُ​ المتعة​ِ​ " نتحمل​ُ​ ​المسؤليةَ في حماية​ِ​ ​أطفالِنا​ منها كآباء​ٍ​ ومدرسين​َ​

تتحمل​ُ​ المدرسة​ُ​ كأهم​ِ​ مؤسسة​ٍ​ تربوية​ٍ​ في المجتمع عبىء​َ​ تحقيق​ِ​ "الأهداف التربوية العامة" للمجتمع؛ ​لكنَّنا كمدرسين​َ​ و تربويين​َ​ لا نستطيع​ُ​ أن​ْ​ نحيط​َ​ بكل​ِ​ الخبرات​ِ​ الخاطئة​ِ​ التي يتلقاها الطالب​ُ​ خارج​َ​ المدرسة والتي لا يسهل​ُ​ ​علاجُها بعد أن​ْ​ تدخل​َ​ إلى "التنظيم القيمي" للطالب وتتمثل​َ​ في "سلوك".

وإن​َّ​ رقابة​ً​ أكثر​َ​ تربوية​ً​ وتنظيما​ً​ ​يُفتَرضُ أن ​تفرضَها الحكومة​ُ​ على ​مؤسساتِها "الثقافية" الأخرى مثل التلفزيون والسينما والمسرح والمطبوعات.. إلخ؛ فلا يجوز​ُ​ لهذه المؤسسات العمل​ُ​ بما يخالف​ُ​ أهداف​َ​ المؤسسات​ِ​ التربوية​ِ​ العامة​ِ​ التابعة​ِ​ لنفس​ِ​ الحكومة والدولة والمجتمع.

ولا يقتصر​ُ​ الأمر​ُ​ على عرض​ِ​ المشاهد​ِ​ الإيحائية​ِ​ أو الإباحية؛ بل تشمل​ُ​ جميع​َ​ المناحي التربوية​ِ​ العامة​ِ​ المستندة​ِ​ إلى الأهداف​ِ​ العامة​ِ​ للمجتمع كالإيحاء​ِ​ بالسخرية​ِ​ من الأفراد​ِ​ البدناء​ِ​ أو محدودي الدخل أو مختلفي التوجه​ِ​ الديني أو السياسي وهكذا.

عندما ​تُعرضُ​ إعلانات​ٍ​ لمواد​َ​ إنتاجية​ٍ​ سينمائية​ٍ​ أو تلفزيونية​ٍ​ تشير​ُ​ للجمهور​ِ​ بأن​َّ​ هذا المنتج​َ​ يحوي مشاهد​َ​ متعة​ٍ​ إباحية​ٍ​ أو إيحائية؛ فهذا يعني أن​َّ​ تجارة​ً​ بحتة​ً​ تغلف​ُ​ بالفن​ِ​ والأدب​ِ​ وأن​َّ​ هذه المواد لا تحظى برقابة​ٍ​ على أسس​ٍ​ تربوية؛ فلا يجب​ُ​ أن​ْ​ تجد​َ​ ​طريقَها للمواطن ​عبْرَ مؤسسات​ِ​ الحكومة​ِ​ على الأقل ​كمظهرٍ ومضمونٍ للدولة​​ِ الحضارية.

لا يقل​ُ​ استيراد​ُ​ مواد​َ​ إنتاجية​ٍ​ و​دبلجتُها و​عرضُها للجمهور​ِ​ ​ضرراً عن ​إنتاجِها؛ فالأهداف​ُ​ العامة​ُ​ للمجتمع​ِ​ وفلسفتُه هي الأساس​ُ​ الذي يراعى في أي​ِ​ منتج​ٍ​ ليكون​َ​ مقبولا​ً​ في ​مجتمعِه​ الذي ينشر​ُ​ فيه؛ فالمواد​ُ​ التي تجاز​ُ​ للنشر​ِ​ في مجتمع​ٍ​ لا تصلح​ُ​ -بالضرورة​ِ​- للنشر​ِ​ في مجتمع​ٍ​ آخر​َ​ مختلف​ِ​ الخصائص​ِ​ والفلسفة​ِ​ والأهداف.

هذه الفوضى التي تعم​ُ​ وسائل​َ​ الإعلام​ِ​ العربية​ِ​ والتي تضغط​ُ​ على المنظومة​ِ​ المعرفية​ِ​ التطورية​ِ​ للأطفال وباتت تتفوق​ُ​ في ​أغلبِها​​ " تجارة​ُ​ المتعة​ِ​ " نتحمل​ُ​ ​المسؤليةَ في حماية​ِ​ ​أطفالِنا​ منها كآباء​ٍ​ ومدرسين​َ​ ومثقفين.. ومؤسسات​ِ​ دولة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.