شعار قسم مدونات

رسالة نعيٍ إلى مهنّد..

blogs - mohanad
كم بدت لي أولى الكلمات قاتلة أشدّ ما يكون القتل يا "مهنّد"، ولكنّني اخترتُ أخيراً أن أقطع صمتي القاهر بإعتراف بسيط لا يزيدني سوى شرود وضياع في مساحات الخوف والألم التّي طوّقتني مذ نزل عليّ خبر وفاتكَ كالإثم بعد الهداية!

كيف ترحل هكذا سريعاً يا رفيقي وأنتَ الذّي صنعتَ المجد أيّاماً، أنتَ الذّي جعلتَ لـ"يناير" مذاقاً غير الذّي نعرفه، إذ أوقدتَ في شتائه البارد ألوان النار وأطياف الثورة، أنتَ الذّي احتكرتَ لقب "تميمة الثورة" لسنوات رغم أنف التجربة وقلّة الخبر بمساحات الوطن.
 

ألم نتّفق على أن طريق الثوّار حتميّ منذ بدايته؟ ألم تكن من بنود رحلة "ربيعنا العربيّ" أن نطمس ألوان دموعنا وحرقة غيابنا من أجل وطن حرّ وثائر وخالد؟

أترحل في منتصف الطريق يا "مهنّد" وأنتَ الذّي علّمتنا القتال والتمرّد؟ أتعلن عن تقاعدكَ المبكّر يا "مهنّد" وقد اتّقدت فيك نيران الوطن كما لم تحرق أحدهم يوماً؟ كيف تعلن عن هكذا نهاية متواضعة لرجل تحدّى الرصاص والقتل والسجون لتسقط على يد "سرطان الدمّ" سريعاً؟ 

 
كيف لحروفي المبعثرة بين يديّ أن تجتمع على الوطن مجدداً؟ كيف لي أن أعرف طريق الثورة وقد انسحب "القائد الصغير" ليتركنا دون وجهة أو خريطة؟ كيف لي أن أعود منتفضاً وقد سكن القهر قلبي بكامل حزنه وغيابه؟

صدّقني يا "مهنّد" وروحكَ الطاهرة تتمرّد على دمائنا وحرقتنا القاهرة لم أكن أريد من كلماتي الهاربة هذه أن تكون نعيكَ، ولكنّها صارت أبخس نعي يكتبه تونسيّ لك رغماً عنّه، تونسيّ اتّفق على أن تكون "بداية" يناير خير "اكتمال" لغضب ديسمبر، ولكنّك لا تحتاج لنعي يا رجل!
 

ألم نتّفق على أن طريق الثوّار حتميّ منذ بدايته؟ ألم تكن من بنود رحلة "ربيعنا العربيّ" أن نطمس ألوان دموعنا وحرقة غيابنا من أجل وطن حرّ وثائر وخالد؟ ولكنّني مجرّد إنسان ضعيف يا "مهنّد"، إنسان اهتزّ سريعاً وغاب في سماء نعيكَ طويلاً، رجل أحرقته الهزيمة المبكّرة كما لم تحرقه انتصارات الثورة، رجل قتلته الأخبار المتناقلة على "السوشيال ميديا" تعلن فيها عن هزيمتك أمام "سرطان الدمّ" وهكذا.
 

كفّوا بربّكم عن تزييف الحقائق وطمس الأوطان، "مهنّد" مساحة من الحريّة والصمود بحجم أوطان الثورة والنيران ولكنّه قد اغتيل مرّتين: مرّة حين قتلته "سجون الانقلاب" وأخرى صباح جعلتم منه خانعاً لأصوات السرطان!

"مرض خبيث كالسرطان لا يمكنه طمس نزق الثائرين، إنّه بمثابة هوّة صغيرة لإيقاف دماء الثورة ولكن لا يمكن أن يكون نهاية الثورة قطعاً".

"مهنّد صدّقني لكم تقتلني لحظات الغياب والفراق والفقد! ولكنّك حتماً لم تمت، لقد غبت في سماء الثورة برهة ولكنّك لون الثورة حيثما حلّت".

شكراً لروحكَ الطاهرة وعنفوان ذكراكَ الخالدة وألوان ميادين التحرير والنهايات السعيدة، شكراً للموت الذّي علّمنا طريق الصبر وسبيل التمرّد على الفجيعة والغياب، شكراً للثوّار حيثما كانوا.
 

شكرا لمهنّد وألف مهنّد سيكون ..
لكَ شيء في هذا العالم فقم يا "مهنّد" !
أحبّك كما أحببتَ الثورة والثائرين دوماً..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.